منهم لا من الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ونقل أن الصحابة لما هَزَموا الكفارَ وقتلوا منهم جمعًا عظيمًا، والكفارُ فروا ذهب الصحابةُ خلفَهم، وتباعدوا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأسروا أولئك الأقوام، ولم يعلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإقدامهم على الأسر إلا بعد رجوع الصحابة إلى حضرته، وهو - صلى الله عليه وسلم - ما أسر وما أمر بالأسر، فزال هذا السؤال.
فإن قالوا: هب أن الأمر كذلك، لكنهم لما حملوا الأساري إلى حضرته فلِمَ لَمْ يأمر بقتلهم امتثالًا لقوله تعالى:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ}.
قلنا: إن قوله: {فَاضْرِبُوا} تكليفٌ مختصٌ بحالة الحرب عند اشتغال الكفار بالحرب، فأما بعد انقضاء الحرب فهذا التكليف ما كان متناوَلًا له. والدليل القاطع عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - استشار الصحابة في أنه بماذا يعاملهم، ولو كان ذلك النصُّ متناولًا لتلك الحالة، لكان مع قيام النص القاطع تاركًا لحكمه، وطالبًا ذلك الحكم من مشاورة الصحابة، وذلك محُالٌ، وأيضًا فقوله:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} أمرٌ، والأمرُ لا يفيد إلا المرةَ الواحدةَ، وثبت بالإجماع أن هذا المعنى كان واجبًا حال المحاربة فوجب أن يبقى عديمَ الدلالة على ما وراء وقت المحاربة، وهذا الجواب شافٍ.
والجواب عما ذكروه ثالثًا وهو قولهم: إنه - صلى الله عليه وسلم - حكم بأخذ الفداء، وأخذ الفداء محرمٌ.
فنقول: لا نسلم أن أخذ الفداء محرمٌ، وأما قوله:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} فنقول: هذا لا يدل على قولكم، وبيانه من وجهين:
الأول: أن المراد من هذه الآية حصول العتاب على الأسر لغرض أخذ الفداء، وذلك لا يدل على أن أخذ الفداء محرمٌ مطلقًا.
الثاني: أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: الأولى أن نأخذ الفداء لتقوى العسكر به على الجهاد، وذلك يدل على أنهم إنما طلبوا ذلك الفداء للتقوىِ به على الدين، وهذه الآية تدل على ذم من طلب الفداء لمحض عرض الدنيا ولا تعلق لأحد البابين بالثاني. وهذان الجوابان بعينهما هما الجوابان