للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن تمسكهم بقوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

والجواب عما ذكروه رابعًا:

أن بكاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أن يكون لأجل أن بعض الصحابة لما خالف أمر الله في القتل، واشتغل بالأسر استوجب العذاب، فبكى الرسول - صلى الله عليه وسلم - خوفًا من نزول العذاب عليهم، ويحتمل أيضًا ما ذكرناه أنه - صلى الله عليه وسلم - اجتهد في أن القتل الذي حصل هل بلغ مبلغ الإثخان الذي أمره الله به في قوله: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} ووقع الخطأ في ذلك الاجتهاد، وحسنات الأبرار سيئات المقربين، فأقدم على البكاء لأجل هذا المعنى.

والجواب عما ذكروه خامسًا: أن ذلك العذاب إنما نزل بسبب أن أولئك الأقوام خالفوا أمر الله بالقتل، وأقدموا على الأسر حال ما وجب عليهم الاشتغال بالقتل، فهذا تمام الكلام في هذه المسألة. والله أعلم. (١)

قال الإمام الرازي أيضًا:

تمسكوا بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الآيتان.

والاستدلال من ثلاثة أوجه:

الأول: قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} وذلك يقتضي أن يكون استبقاء الأسرى محرمًا.

الثاني: قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} وذلك مذكورٌ في معرض الذم.

الثالث: قوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)}.

الجواب: الذي يدل على براءة منصب الأنبياء في هذه الواقعة عن كل ما لا ينبغي:

أولًا: أنه إما أن يكون قد أوحى إليه في جواز الأسر وخَطَرَ إليه شيء، أو ما أوحي إليه شيء؛ فإن كان قد أوحى إليه شيء لم يجز للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستشير أصحابه فيه؛ لأنه مع قيام النص وظهور الوحي لا يجوز الاشتغال بالاستشارة، وإن لم يوح إليه شيء البتة لم يتوجه


(١) تفسير الرازي ١٥/ ٢٠٠: ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>