للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه ذنب البتة.

ثانيًا: أن ذلك الحكم لو كان خطًا لأمر الله تعالى بنقضه، فكان يؤمر بقتل الأسرى ويرد ما أخذ منهم، قلنا: لما لم يكن كذلك بل قال: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} (الأنفال: ٦٩) علمنا أنه لم يوجد خطأ في ذلك الحكم البتة.

ثالثا: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يشتغل بالاستغفار واللوم، وذلك يدل على عدم الذنب على ما تقدم، وإذ قد بيَّنا ذلك فنقول: كما يأتي العتاب على ترك الواجب فقد يأتي أيضا على ترك الأولى، والأولى في ذلك الوقت الإثخان وترك الفداء قطعًا للأطماع وحسمًا للنزاع، ولولا أن ذلك من باب الأولى لما فوَّض النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك إلى الأصحاب، وهذا هو العذر عن قوله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى}.

فأما قوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} فهو خطاب جمع فيصرف ذلك إلى القوم الذين رغبوا في المال.

وهذا يدل على أن المعاتَبَ في شأن الأساري هو غير النبي - صلى الله عليه وسلم - بل يجب أن يكون سواه، والقصة معروفة؛ لأن الله تعالى أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يأمر أصحابه أن يُثْخِنُوا في قتل أعدائهم بقوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} وبلَّغ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك إلى أصحابه فسَهَوا عن ذلك وأسروا يوم بدرٍ جماعةً من المشركين طمعًا في الفداء فأنكر الله تعالى ذلك عليهم، وبيَّن أن الذي أمر به سواه.

وأما قوله: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ} فمعناه لولا ما سبق من تحليل الغنائم لعذبكم بسبب أخذكم هذا الفداء، وهذا غاية التقريع في تخطئتهم في أخذ الفداء من جهة التدبير.

فإن قلتَ: فإن كان ذلك محلَّلا لهم؛ فما هذا التقريع البالغ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>