للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال ما ورد في الزنى المجازي قوله: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه.

ومثال من خفي عليه الفرق في ذلك ما جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل فقال: يا رسول الله أني أصبت حدًا فأقمه على. قال: ولم يسأله عنه. قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة، قام إليه الرجل فقال يا رسول الله: إني أصبت حدًا، فأقم فيَّ كتاب الله قال: "أليس قد صليت معنا". قال نعم. قال: "فإن الله قد غفر لك ذنبك". أو قال: "حدك".

فقد صح أن هذا الرجل فعل مقدمات الجماع ولم يجامع فظن أن هذا فيه الحد، فجاء يعترف ليقام عليه الحد كما في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله: إني لقيت امرأة في البستان، فضممتها إليّ، وباشرتها، وقبلتها، وفعلت بها كل شيء، غير أني لم أجامعها. قال: فسكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: ١١٤]. قال: فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقرأها عليه. فقال عمر: يا رسول الله، أله خاصة أم للناس كافة؟ فقال: "بل للناس كافة".

فإذا علم أن الأمر كذلك، وأنه قد يخفى على بعض الناس الفرق بين الزنا حقيقة، والزنا مجازا، علم أننا أمام مصلحتين.

الأولى: مصلحة هجر هذه الكلمة الصريحة تبعًا لأصل الحياء.

الثانية: الحفاظ على هذا الدم، وأن لا يسفك على سبيل الخطأ، أو الشبهة.

وأعظم المصلحتين هي الحفاظ على الدم إذا كان بريئًا.

كما أننا أمام مفسدتين، أقلهما ضررًا؛ التلفظ بهذه الكلمة، وأعظمهما ضررًا هي: قتل الرجل من غير تبين من فهمه، وعقله. وحينئذ نجد القاعدة المستنبطة من نصوص القرآن والسنة، وهي التي تقول: تدرأ أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما إذا تعين وقوع إحداهما،

<<  <  ج: ص:  >  >>