للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضًا: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الحدِيث عَلَى جَوَاز الصَّلَاة عَلَى غَيْر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَجْلِ قَوْله فِيهِ: "وَعَلَى آلِ مُحَمَّد" وَأَجَابَ مَنْ مَنَعَ: بِأَنَّ الجوَاز مُقَيَّد بِمَا إِذَا وَقَعَ تَبَعًا، وَالمنْع إِذَا وَقَعَ مُسْتَقِلًّا (١)، وَالحُجَّة فِيهِ أنَّهُ صَارَ شِعَارًا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَا يُشَارِكهُ غَيْره فِيهِ، فَلَا يُقَال قَالَ أَبُو بَكْر - صلى الله عليه وسلم -: وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا، وَيُقَال: صَلَّى الله عَلَى النَّبِيّ وَعَلَى صِدِّيقه أَوْ خَلِيفَته وَنَحْو ذَلِكَ، وَقَرِيب مِنْ هَذَا أنَّهُ لَا يُقَال: قَالَ مُحَمَّد عزَّ وجلَّ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا، لِأَنَّ هَذَا الثَّنَاء صَارَ شِعَار الله سبْحَانه لَا يشَارِكهُ غَيْره فِيهِ.

وَلَا حُجَّة لمنْ أَجَازَ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا فِيمَا وَقَعَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}، ولَا فِي قَوْله: "اللهمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى". (٢)

وَلَا فِي قَوْل اِمْرَأَة جَابِر "صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي، فَقَالَ: اللهمَّ صَلِّ عَلَيْهِمَا" (٣) فَإِنَّ ذَلِكَ كُلّه وَقَعَ مِن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. وَلِصَاحِبِ الحَقّ أَنْ يَتَفَضَّل مِنْ حَقّه بِمَا شَاءَ، وَلَيْسَ لِغَيرِهِ أَنْ يَتَصَرَّف إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَمْ يَثْبُت عَنْهُ إِذْن فِي ذَلِكَ. وَيُقَوِّي المَنْع بِأَنَّ الصَّلَاة عَلَى غَيْر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - صَارَ شِعَارًا لِأَهْلِ الْأَهْوَاء يُصَلُّونَ عَلَى مَنْ يُعَظِّمُونَهُ مِنْ أَهْل الْبَيْت وَغَيْرهمْ. وَهَل المنع فِي ذَلِكَ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ خِلَاف الْأَوْلَى؟ حَكَى الْأَوْجُه الثَّلَاثَة النَّوَوِيّ فِي "الْأَذْكَار" وَصَحَّحَ الثَّانِي (٤).

وقال النووى: قَوْله - صلى الله عليه وسلم -: "قُولُوا: اللهمَّ صلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إِبْرَاهِيم، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إِبْرَاهِيم".

قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْبَرَكَة هُنَا الزِّيَادَة مِن الْخَيْر وَالْكَرَامَة، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى التَّطْهِير وَالتَّزْكِيَة، وأَنَّ نَبِيّنَا - صلى الله عليه وسلم - سَأَل ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلأَهْلِ بَيْته لِيُتِمّ النِّعْمَة عَلَيْهِمْ كَمَا أَتمّهَا عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آلِهِ، وقِيلَ: بَلْ سَأَل ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ، وَقِيلَ: بَلْ لِيَبْقَى ذَلِكَ لَهُ دَائِمًا إِلَى يَوْم


(١) الأذكار للنووي (١٠٨).
(٢) البخاري (١٤٩٧)، ومسلم (١٠٧٨).
(٣) أبي داود (١٥٣٣)، والسنن الكبرى للنسائي (٦/ ١١٢) (١٠٢٥٦)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (١٣٥٧).
(٤) فتح الباري (٨/ ٦٢٥، ٦٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>