فيه الظنون؛ قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)} [العنكبوت: ٤٨].
ويقول ابن كثير: أي: قد لبثت في قومك - يا محمد - ومن قبل أن تأتي بهذا القرآن عُمرًا لا تقرأ كتابًا ولا تحسن الكتابة، بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أميٌّ لا تقرأ ولا تكتب، وهكذا صفته في الكتب المتقدمة، كما قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}[الأعراف: ١٥٧]، وهكذا كان - صلى الله عليه وسلم -[دائمًا وأبدًا] إلى يوم القيامة لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرًا ولا حرفًا بيده، بل كان له كُتاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم.
ومن زعم من متأخري الفقهاء كالقاضي أبي الوليد الباجي ومن تابعه أنه - صلى الله عليه وسلم - كتب يوم الحديبية:"هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله" فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري: "ثم أخذ فكتب"، وهذه محمولة على الرواية الأخرى:"ثم أمر فكتب"، ولهذا اشتد النكير بين فقهاء المغرب والمشرق على من قال بقول الباجي، وتبرؤوا منه، وأنشدوا في ذلك أقوالًا وخطبوا به في محافلهم: وإنما أراد الرجل - أعني الباجي، فيما يظهر عنه - أنه كتب ذلك على وجه المعجزة؛ لا أنه كان يحسن الكتابة.
وقوله:{إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} أي: لو كنت تحسنها لارتاب بعض الجهلة من الناس فيقول: إنما تعلم هذا من كُتب قبله مأثورة عن الأنبياء، مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي لا يحسن الكتابة:{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان: ٥]، قال الله تعالى:{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الفرقان: ٦](١).