للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: ١٦].

قال ابن كثير: أي: هذا إنما جئتكم به عن إذن الله لي في ذلك ومشيئته ولم أتقوله من عندي، والدليل أنكم عاجزون عن الإتيان بمثله، وأنتم تعلمون حالي قبل هذا الكتاب وتعلمون صدقي وأمانتي ولا تعيبون على شيئًا؛ لهذا قال: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٦)} أي: أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل، ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان ومن معه فيما سأله من صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: فقلت: لا، وقد كان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين، ومع هذا اعترف بالحق، وَالفَضْلُ ما شَهدَتْ به الأعداءُ، فقال له هرقل: فقد أعرف أنه لم يكن ليدَعَ الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله (١).

والحديث مشهور في صحيح البخاري (٢).

وعن أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها - حديث الهجرة الطويل إلى الحبشة، وفيه أن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - خاطب النجاشي قائلًا: حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده (٣).

قال السعدي: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا} طويلًا {مِنْ قَبْلِهِ} أي: قبل تلاوته، وقبل درايتكم به، وأنا ما خطر على بالي، ولا وقع في ظني، {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أني حيث لم أتقوله في مدة عمري، ولا صدر مني ما يدل على ذلك، فكيف أتقوله بعد ذلك، وقد لبثت فيكم عمرا طويلا تعرفون حقيقة حالي، بأني أمي لا أقرأ ولا أكتب، ولا أدرس ولا أتعلم من أحد؟ ، فأتيتكم بكتاب عظيم أعجز الفصحاء، وأعيا العلماء، فهل يمكن - مع


(١) تفسير ابن كثير (٧/ ٣٤٢).
(٢) البخاري (٧)، مسلم (١٧٧٣).
(٣) مسند أحمد (١/ ٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>