امرأة قط خيرًا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثًا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى ما عدا سورة من حد كانت فيها تسرع منها الفيئة. قالت فاستأذنت علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها؟ قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكره أن أنتصر قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبسم:"إنها ابنة أبي بكر". (١)
قلت: واضح من هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خصها بفضيلة ليست لواحدة من النساء غيرها وهي أنها ابنة أبي بكر وليست واحدة من النساء لأبيها من السابقة والفضل والمكانة وحسن التأديب لابنته ما لأبي بكر، فكيف تريدون أن تكون مكانتكم تضاهي مكانتها؟ ! لعل ذلك لو حصل يكون منافيًا للعدل الذي تنشدنه فعند ذلك عرفن فضلها وسكتن، فلم يعاودن السؤال مرة ثانية، والله أعلم.
فثبت بهذا وبغيره مما لم أذكره أن عائشة كانت مقدمة في الحب القلبي لما حباها الله به من خصائص ليست لغيرها من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا لاينقص من شأن أيتهن أبدًا، ولكن سنة الله أن يكون لكل قدره.
(١) مسلم (٢٤٤٢)، (العدل في ابنة أبي قحافة) معناه: يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب (ينشدنك) أي يسألنك، (تساميني) أي: تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة مأخوذ من السمو وهو الارتفاع، (سورة) السورة الثوران وعجلة الغضب (من حد) هكذا هو في معظم النسخ سورة من حد وفي بعضها من حدة وهي شدة الخلق وثورانه، (الفيئة) الرجوع ومعنى الكلام أنها كاملة الأوصاف إلا أن فيها شدة خلق وسرعة غضب تسرع منها الرجوع أي إذا وقع ذلك منها رجعت عنه سريعا ولا تصر عليه، (ثم وقعت بي) أي نالت مني بالوقيعة في (لم أنشبها) أي لم أمهلها، (حين) في بعض النسخ حتى بدل حين وكلاهما صحيح ورجح القاضي حين، (أنحيت عليها) أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة. انظر: شرح النووي على مسلم.