للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - أو: أن هذا القول كِنَايَةٌ عَنْ تَرْكِ ذَلِكَ التَّنْفِيرِ وَالتَّقْبِيحِ لمِا رَأَتْ مِنْ مُسَارَعَةِ اللهِ تَعَالَى فِي مَرْضَاةِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَيْ كُنْتُ أُنفِّرُ النِّسَاءَ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يُسَارعُ فِي مَرْضَاة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - تَرَكْتُ ذَلِكَ لمِا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِمَرْضَاتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَم. (١)

٤ - أما عن العبارة فهَذَا قَوْلُ أَبْرَزَهُ الدَّلَالُ وَالْغَيْرَةُ، وَهُوَ مِنْ نَوْعٌ قَوْلهَا مَا أَحْمَدُكُمَا وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا الله، وَإِلَّا فَإِضَافَةُ الْهَوَى إِلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرها، لِأَنَّهُ لَا يَنْطِق عَنْ الْهَوَى وَلَا يَفْعَلُ بِالْهَوَى، وَلَوْ قَالَتْ إِلَى مَرْضَاتِكَ لَكَانَ أَلْيَقَ، وَلَكِنَّ الْغَيْرَةَ يُغْتَفَرُ لِأَجْلِهَا إِطْلَاقُ مِثْلِ ذَلِكَ. (٢)

٥ - وذلك أن الغيرة إن كانت لما في الطباع البشرية التي أيسلم منها أحد من النساء فتعذر فيها ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل، وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف الصالح من النساء في ذلك. (٣)

ومن أجل هذا المعنى لم يرد ذلك عليها ولا زجرها، وعذرها لما جعل الله في فطرتها من شدة الغيرة. (٤)

٦ - وَقَدْ يُقَال: المُذْمُوم هُوَ الْهَوَى الْخَالِي عَنْ الْهُدَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ... } (القصص: ٥٥)، وَالله تَعَالَى أَعْلَم، فَلْيُتَأَمَّلْ. (٥)

ومن هذا المعنى قول عمر في قصة المشاورة في أسارى بدر: فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلتُ، وهذا الحديثُ مما جاء استعمال الهوى فيهِ بمعنى المحبة المحمودة وعلى هذا ينبغي أن يفرق بين حالين من الهوى:

١ - الهوى والشهوة المستقرة في النفس البشرية وهي مجبولة عليها.


(١) حاشية السندي على سنن النسائي (٣١٩٩).
(٢) فتح الباري (٩/ ١٦٥).
(٣) السابق (٩/ ٣٢٦).
(٤) شرح البخاري لابن بطال (١٣/ ٣٢٩).
(٥) حاشية السندي على سنن النسائي (٣١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>