للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - اتباع الهوى ومخالفة الشرع في ذلك.

فأما النوع الأول فليس بمذموم شرعًا ولا عقلًا ...

فأما عقلًا فلأجل أن ليس للأنسان يدٌ في ذلك البتة، فكيف يذم في شيء قد ركزت في الطباع؟ . بل، أذهب أبعد من ذلك - ولست أبالغ - إلى أن من لم يكن ذا شهوة فهو ناقص عن أقرانه، فمن لا يشتهي النساء رجل ناقص الذكورة؛ فلا يمدح بذلك عرفًا ولا يرغبه الناس، بل هو عيب يحق للقاضي أن يفرق بين الزوجين بسببه وهو ما يسمى (العنين).

فإذا كان نقص هذه الشهوة عيب، فما يقابلها كمال بشري يمدح صاحبها.

وأما وجه عدم ذمها شرعًا - أعني بذلك الشهوة المستقرة في النفس - فيدل عليه حديث عائشة قالت: كنت أغار على اللاتي يهبن أنفسهن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ ، فلما أنزل الله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} (الأحزاب: ٥١)، قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك! ! (١). فإذا وافق الهوى الشرع فلا يذم.

وأما القسم الثاني: وهو اتباع الهوى ومخالفة الشرع في ذلك؛ فهذا هو المذموم فالنصوص جاءت بذم الاتباع للهوى لا وجود الهوى. فمن ذلك قوله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (ص: ٢٦)، وهكذا جاءت بقية النصوص كلها تتفق على ذم اتباع الهوى لا مجرد وجوده، وبهذا يظهر أن كلمة عائشة - رضي الله عنها - هذه جارية على التفصيل السابق وعليه فإن عائشة ما قالت إلا الصواب، فالله شرع لنبيه الذي وافق مايهواه ويشتهيه، وجعله يهوى ما شرع الله له فأي سوء عبارة في ذلك؟ . (٢)


(١) البخاري (٤٧٨٨)، ومسلم (١٤٦٤).
(٢) أرشيف ملتقى أهل الحديث المنتدى الشرعي العام، مقال في خطأ شائع في رد شبهة للمستشرقين (١/ ٦٠٤٢) برنامج المكتبة الشاملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>