للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث السادس: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان اليهود يسلمون على النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: السام عليك، ففطنت عائشة إلى قولهم، فقالت: عليكم السام واللعنة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مهلًا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله" فقالت: يا نبي الله، أولم تسمع ما يقولون؟ قال: "أولم تسمعي أني أرد ذلك عليهم فأقول وعليكم". (١)

وفي لفظ عند مسلم أنه قال: "يا عائشة، لا تكوني فاحشة" (٢).

والجواب من وجوه: الوجه الأول: إن عائشة قالت ذلك غضبًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما قالته إلا بعد أن تكرر هذا الفعل من اليهود ثلاث مرات كما تبين ذلك الرواية الصحيحة عن عائشة قالت: دخل يهودي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: السام عليك يا محمد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وعليك"، فقالت عائشة: فهممت أن أتكلم، فعلمت كراهية النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك، فسكت، ثم دخل آخر، فقال: السام عليك، فقال: "عليك"، فهممت أن أتكلم، فعلمت كراهية النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لذلك، ثم دخل الثالث فقال. السام عليك، فلم أصبر حتى قلت: وعليك السام وغضب الله ولعنته إخوان القردة والخنازير! أتحيون رسول الله بما لم يحيه الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولًا فرددنا عليهم". ورواه أبو نعيم أيضًا. (٣)

الوجه الثاني: وعائشة قالت هذا من باب الانتصار، وهذا لا إثم فيه ولا عيب، قال تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} (الشورى: ٤١).

الوجه الثالث: ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرشدها إلى الأفضل وهو الصبر وحسن المنطق عملًا بقول الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (الشورى: ٤٣).

الوجه الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معلمًا للجن والإنس، ومن الإنس أهل بيته ومنهم زوجاته رضي الله عنهن، وقد علمها الأفضل في هذا الأمر، ولا شك أنها استجابت


(١) البخاري (٦٣٩٥، ٦٢٥٦، ٦٠٣٠، ٦٠٢٤)، ومسلم (٢١٦٥).
(٢) مسلم (٢١٦٥).
(٣) ابن خزيمة (٥٧٤، ٥٨٥). قال الألباني في الصحيحة ٢/ ٣١٢ (٦٩١): قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، وأبو بشر الواسطي اسمه إسحاق بن شاهين وهو من شيوخ البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>