وتعلمت منه ما دلها عليه ولم يرد ما يدل على خلاف هذا، ففي أي شرع أو عقل أو قانون يذم من عمل سيئة من غير علم ثم أقلع عنها وامتثل للأحسن بعد علمه بكونها سيئة.
الوجه الخامس: إنها لم تكن تعلم أنهم لا يستجاب لهم في النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أعلمها بذلك هدأت وسكنت، ولعلها لم تكن فهصت كذلك أن رد النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم يكفي، فلما علمت سكتت.
الوجه السادس: وأولى من هذا كله أنها هي التي روت لنا هذه القصة لنتعلم بها كيف نقول ونتصرف في مثل هذا الموقف، ولنستدل بها على مكارم الأخلاق، فلو كتمتها هل كنا نعلم هذه السنة ثم هل كان الطاعنون يعلمون ما جرى في هذه اللحظة ليطعنوا به فيها؟ ! ولهذا ينبغي أن نفهم أنها لو كانت كما يقولون لما نقلت لنا هذه الأمور ولكن حرصها على تعليم الدين كان فوق ما نتصور.
الوجه السابع: قال ابن تيمية: ومثل هذا الدعاء أذى للنبي -صلى الله عليه وسلم- وسب له ولو قاله المسلم لصار به مرتدًا؛ لأنه دعاء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته بأنه يموت وهذا فعل كافر ومع هذا فلم يقتلهم، بل نهى عن قتل اليهودي الذي قال ذلك لما استأمره أصحابه في قتله.
الحديث السابع: عن عائشة أن رجلًا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما رآه قال "بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة"، فلما جلس تطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة متى عهدتني فحاشًا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره"، وهذا حديث صحيح، ولكن القوم فهموا منه أن عائشة تصور النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثها بصورة الرجل المغتاب أو الذي يخشى من المواجهة، أو أنها كانت تريد منه أن يواجه الرجل بالكلام السيئ.