للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب من وجوه: الوجه الأول: أن هذا القول من النبي -صلى الله عليه وسلم- الغرض منه النصيحة ليحذر السامع من هذا الداخل حيث كان منحرفًا عن الإسلام. (١) والفاسق المجاهر بمعصيته لا تحرم غيبته.

الوجه الثاني: أو أن هذا من المداراة: وهي درء المفسدة والشر بالقول اللين وترك الغلظة أو الإعراض عن صاحب الشر إذا خيف شره، أو حصل منه أكبر مما هو ملابس له. كالرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تأليفه. (٢)

الوجه الثالث: أن هذا الرجل كان منافقًا كما روى الحارث بن أبي أسامة فقال: حدثنا الخليل بن زكريا ثنا هشام الدستوائي عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال المرادي قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأقبل رجل فلما نظر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بئس أخو العشيرة أو بئس الرجل" فلما دنا منه أدنى مجلسه فلما قام وذهب قالوا: يا رسول الله، حين أبصرته قلت بئس أخو العشيرة أو بئس الرجل، ثم أدنيت مجلسه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه منافق أداريه عن نفاقه وأخشى أن يفسد على غيره". (٣)

الوجه الرابع: قال الحافظ ابن حجر: قَالَ اِبْن بَطَّال: هُوَ عُيَيْنَة بْن حِصْن بْن حُذَيْفَة بْن بَدْر الْفَزَارِيُّ، وَكَانَ يُقَال لَهُ الْأَحْمَق المُطَاع، وَرَجَا النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- بِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِ تَأَلُّفه لِيُسْلِم قَوْمه لِأَنَّهُ كَانَ رَئِيسهمْ، وَكَذَا فَسَّرَهُ بِهِ عِيَاض ثُمَّ الْقُرْطُبِيّ وَالنَّوَوِيّ جَازِمينَ بِذَلِكَ، وَنَقَلَهُ اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيِّ لَكِنْ اِحْتِمَالًا لَا جَزْمًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد فِي -المُبْهَمَات- مِنْ طَرِيق عَبْد الله بْن عَبْد الْحَكَم عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَة اِسْتَأْذَنَ عُيَيْنَة بْن حِصْن عَلَى النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "بِئْسَ اِبْن الْعَشِيرَة" الحدِيث، وَأَخْرَجَهُ اِبْن بَشْكُوَال فِي -المُبْهَمَات- مِنْ طَرِيق


(١) التحرير والتنوير تفسير سورة الحجرات بمعناه.
(٢) كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة.
(٣) بغية الحارث (١/ ٢٥١)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (٤/ ١٩١) وقال: هذا حديث غريب من حديث عاصم وهشام تفرد به الخليل بن زكرياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>