للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، وإذا قدم من سفر كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضًا. (١)

واستهترت العرب في عبادة الأصنام، فمنهم من اتخذ بيتًا، ومنهم من اتخذ صنمًا، ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيت نصب حجرًا أمام الحرم، وأمام غيره، مما استحسن، ثم طاف به كطوافه بالبيت وسموها الأنصاب.

وكان في جوف الكعبة -البيت الذي بني لعبادة الله وحده- وفي فنائها ثلاث مائة وستون صنمًا، وتدرجوا من عبادة الأصنام والأوثان إلى عبادة جنس الحجارة، فعن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا، جمعنا حثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به (٢). وقال الكلبي: كان الرجل إذا سافر فنزل منزلًا أخذ أربعة أحجار، فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربًا، وجعل ثلاث أثافي لقدره، وإذا ارتحل تركه (٣).

وانتشرت اليهودية والنصرانية في بلاد العرب، ولم تستفد منها العرب كثيرًا من المعاني الدينية، وكانتا نسختين من اليهودية في الشام، والنصرانية في بلاد الروم والشام قد طرأ عليها من التحريف والزيغ والوهن ما شرحناه من قبل.

الأدواء الخلقية والاجتماعية عند العرب: أما من جهة الأخلاق، فكانت فيهم أدواء وأمراض متأصلة، وأسبابها فاشية، فكان شرب الخمر واسع الشيوع شديد الرسوخ فيهم تتحدث عن معاقرتها والاجتماع على شربها الشعراء، وشغلت جانبًا كبيرًا من شعرهم وتاريخهم وأدبهم، وكثرت أسمائها وصفاتها في لغتهم، وكثر فيها التدقيق والتفصيل كثرة تدعو إلى العجب (٤)، وكانت حوانيت الخمارين مفتوحة دائمًا، يرفرف عليها علم يسمى


(١) كتاب الأصنام لهشام بن محمد الكلبي ص ٦.
(٢) البخاري (٤١١٧).
(٣) الأصنام لابن الكلبي (ص ٣٣).
(٤) انظر: المخصص لابن سيده (١١/ ٨٢ - ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>