للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= - رضي الله عنه - فيها إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه. وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه لأنه منوط بظنه، وكان ظنه القدرة على ذلك. ولقد عزله ابن العباس، وابن الزبير، وابن عمر، وابن الحنفية -أخوه- وغيرهم في مسيره إلى الكوفة، وعلموا غلطه في ذلك، ولم يرجع عما هو بسبيله لما أراده الله.
وأما غير الحسين من الصحابة الذين كانوا بالحجاز، ومع يزيد بالشام، والعراق، ومن التابعين لهم، فرأوا أن الخروج على يزيد، وإن كان فاسقًا لا يجوز لما ينشأ عنه من الهرج، والدماء فأقصروا عن ذلك، ولم يتابعوا الحسين، ولا أنكروا عليه، ولا أثموه، لأنه مجتهد، وهو أسوة المجتهدين. ولا يذهب بك الغلط أن تقول بتأثيم هؤلاء بمخالفة الحسين، وقعودهم عن نصره، فإنهم أكثر الصحابة، وكانوا مع يزيد ولم يروا الخروج عليه، وكان الحسين يستشهد بهم، وهو يقاتل بكربلاء على فضله وحقه، ويقول: سلوا جابر بن عبد الله، وأبا سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وسهل بن سعيد، وزيد بن أرقم، وأمثالهم. ولم ينكر عليهم قعودهم عن نصره ولا تعرض لذلك، لعلمه أنه عن اجتهاد منهم كما كان فعله عن اجتهاد منه. وكذلك لا يذهب بك الغلط أن تقول بتصويب قتله لا كان عن اجتهاد، وإن كان هو على اجتهاد، ويكون ذلك كما يحد الشافعي والمالكي الحنفي على شرب النبيذ. وأعلم أن الأمر ليس كذلك وقتاله لم يكن عن اجتهاد هؤلاء وإن كان خلافه عن اجتهادهم، وإنما انفرد بقتاله يزيدًا وأصحابه. ولا تقولن إن يزيد وإن كان فاسقًا ولم يجز هؤلاء الخروج عليه فأفعاله عندهم صحيحة. واعلم أنه إنما ينفذ من أعمال الفاسق ما كان مشروعًا. وقتال البغاة عندهم من شرطه أن يكون مع الإمام العادل، وهو مفقود في مسألتنا، فلا يجوز قتال الحسين مع يزيد ولا ليزيد، بل هي من فعلاته الؤكدة لفسقه، والحسين فيها شهيد مثاب، وهو على حق واجتهاد، والصحابة الذين كانوا مع يزيد على حق أيضًا واجتهاد. (من المقدمة في التاريخ فصل ولاية العهد).
قال الغزالي: "فإن قيل: فهل يجوز أن يقال: قاتل الحسين لعنه الله؟ أو الآمر بقتله لعنه الله؟ قلنا: الصواب أن يقال: قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله، لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة، لأن وحشيًا قتل حمزة عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتله وهو كافر، ثم تاب عن الكفر، والقتل جميعًا، ولا يجوز أن يلعن، والقتل كبيرة ولا تنتهي به إلى رتبة الكفر، فإذا لم يقيد بالتوبة، وأطلق كان فيه خطر، وليس في السكوت خطر، فهو أولى" اهـ من إحياء علوم الدين (٣/ ١٢٥).
ثالثا: استدلوا بلعنه بما صنعه جيش يزيد بأهل المدينة، وأنه أباح المدينة ثلاثًا حيث استدلوا بحديث "من أخاف أهل المدينة ظلمًا أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله من صرفًا ولا عدلًا" والجواب: إن الذين خرجوا على يزيد بن معاوية من أهل المدينة كانوا قد بايعوه بالخلافة، وقد حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يبايع الرجل الرجل ثم يخالف إليه ويقاتله، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا رقبة الآخر"، وإن الخروج على الإمام لا يأتي بخير، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة التي تحذّر من الإقدام على مثل هذه الأمور، لذلك قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "لو أنّ لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في إمام، فصلاح الإمام صلاح البلاد والعباد"، وهذا الذي استقرت عليه عقيدة أهل السنة والجماعة، ومعركة الحرة تعتبر فتنة عظيمة، والفتنة يكون فيها من الشبهات ما يلبس الحق =

<<  <  ج: ص:  >  >>