للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= بالباطل، حتى لا يتميز لكثير من الناس، ويكون فيها من الأهواء والشهوات ما يمنع قصد الحق وإرادته، ويكون فيها ظهور قوة الشر ما يضعف القدرة على الخير، فالفتنة كما قال شيخ الإسلام: "إنما يعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت فأما إذا أقبلت فإنها تُزين، ويُظن أن فيها خيرًا". وسبب خروج أهل المدينة على يزيد ما يلي:
١ - غلبة الظن بأن بالخروج تحصل المصلحة المطلوبة، وترجع الشورى إلى حياة المسلمين، ويتولى المسلمين أفضلهم.
٢ - عدم علم البعض منهم بالنصوص النبوية الخاصة بالنهي عن الخروج على الأئمة.
قال القاضي عياض بالنسبة لمسألة الخروج: على أن الخلاف وهو جواز الخروج أو عدمه كان أولًا، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم والله أعلم، ومن المعلوم أن أهل الحرّة متأولون، والمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب، والسنة، لأنهم لا يريدون إلا الخير لأمتهم، فقد قال العلماء: إنه لم تكن خارجة خير من أصحاب الجماجم والحرّة، وأهل الحرة ليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير، وغيرهم، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدرًا عند الله، وأحسن نية من غيرهم. فخروج أهل الحرة كان بتأويل، ويزيد إنما يقاتلهم لأنه يرى أنه الإمام، وأن من أراد أن يفرق جمع المسلمين فواجب مقاتلته وقتله، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح. وكان علي - رضي الله عنه - يقول: لو أن رجلًا ممّن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه، ولو أن رجلًا ممّن بايع عمر خلعه لقاتلناه أما إباحة المدينة ثلاثًا لجند يزيد يعبثون بها يقتلون الرجال، ويسبون الذرية وينتهكون الأعراض، فهذه كلها أكاذيب وروايات لا تصح، فلا يوجد في كتب السنة أو في تلك الكتب التي أُلِّفت في الفتن خاصّة، كالفتن لنعيم بن حمّاد أو الفتن لأبي عمرو الداني أي إشارة لوقوع شيء من انتهاك الأعراض، وكذلك لا يوجد في أهم المصدرين التاريخيين المهمين عن تلك الفترة (الطبري، والبلاذري) أي إشارة لوقوع شيء من ذلك، وحتى تاريخ خليفة على دقته واختصاره لم يذكر شيئًا بهذا الصدد، وكذلك إن أهم كتاب للطبقات وهو طبقات ابن سعد لم يشر إلى شيء من ذلك في طبقاته.
نعم قد ثبت أن يزيدًا قاتل أهل المدينة، فقد سأل مهنّا بن يحيى الشامي الإمام أحمد عن يزيد فقال: هو فعل بالمدينة ما فعل قلت: وما فعل؟ قال: قتل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعل. قلت: وما فعل؟ قال: نهبها. وإسنادها صحيح، أما القول بأنه استباحها فإنه يحتاج إلى إثبات، وإلا فالأمر مجرد دعوى، لذلك ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى إنكار ذلك، من أمثال الدكتور نبيه عاقل، والدكتور العرينان، والدكتور العقيلي. قال الدكتور حمد العرينان بشأن إيراد الطبري لهذه الرواية في تاريخه "ذكر أسماء الرواة متخليًا عن مسئولية ما رواه، محملًا إيانا مسئولية إصدار الحكم، يقول الطبري في مقدمة تاريخه: "فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهًا من الصحة ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت من قبلنا وإنما أُتي من بعض ناقليه إلينا "ا. هـ. ولا يصح في إباحة المدينة شيء، وسوف نورد فيما يلي هذه الروايات التي حصرها الدكتور عبد العزيز نور -جزاه الله خيرًا- في كتابه المفيد "أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري- والتي نقلها من كتب التاريخ المعتمدة التي عنيت بهذه الوقعة: نقل ابن سعد خبر الحرة عن الواقدي. ونقل البلاذري عن هشام الكلبي عن أبي مخنف نصًا واحدًا، وعن الواقدي ثلاثة نصوص. ونقل الطبري عن هشام الكلبي أربعة عشر- مرة، =

<<  <  ج: ص:  >  >>