للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلمة "إله" في اصطلاح الإنجيل - واصطلاح الكتاب المقدس بشكل عام - لا تعني بالضرورة الله، بل تأتي أحيانا على معنى السيد والرئيس المطاع، مثل كلمة الرب، أو على معنى الملاك العظيم ونذكر مثالين على ما نقول: (١) جاء في سفر الخروج من التوراة قول الله تعالى لموسى - عليه السلام -: "قد جعلناك إلهًا لفرعون وأخاك هارون رسولك" (الخروج: ٧/ ١).

(٢) وفي المزمور الثاني والثمانين من سفر المزامير قول الله تعالى لداود - عليه السلام -: "الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي .. (إلى قوله): أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون" (المزامير: ٨٢/ ١، ٦ - ٧). حيث يتفق مفسرو العهد القديم أن المقصود بالآلهة وببني العلي هنا: الرؤساء والقضاة والملائكة الذين هم أعضاء البلاط الإلهي - إذا صح التعبير-، وأن لقب آلهة وأبناء الله لهم ليس إلا لقبًا تشريفيًا لا أكثر، ولا يعني أبدًا أنهم شركاء الله تعالى في ذاته وإلهيته، كيف ومن تعاليم التوراة الأساسية وحدانية الله تعالى! وبناءً عليه، فعبارة "وإله هو الكلمة" معناها: وكائنٌ روحيٌ عظيم بل رئيسٌ للكائنات وعظيمٌ مقرب من الله هو الكلمة.

هذا ومما يرجح هذه القراءة ويوجب المصير إلى هذا التفسير، أن الترجمات الحديثة التي تذكر "وكان الكلمة الله" تجعل افتتاحية يوحنا نصًّا مختل المبنى غير مستقيم المعنى، بل لا معنى له ولا يصح لأن معناها يصبح هكذا:

"في البدء كان الله، وكان الله عند الله! وكان الله هو الله، الله كان في البدء عند الله! ".

ومن البديهي أن الشيء لا يكون عند نفسه، فلا يصح أن نقول كان زيد عند زيد! ! أما على التفسير الذي ذكرناه، فإذا صار الإله المُنَكَّر بمعنى الكائن الروحي العظيم الذي هو غير الله، صح أن نعتبره كان عند الله. وقد نبه العلامة ديدات على هذا التلاعب في الترجمة الإنجليزية، وهي الأصل الذي عنه ترجم الكتاب المقدس إلى لغات العالم. فعاد بنا إلى الأصل اليوناني. فالنص في الترجمة اليونانية تعريبه هكذا "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله"، وهنا يستخدم النص اليوناني بدلا من كلمة (الله) كلمة هثيوس (hotheos)، وفي الترجمة الإنجليزية تترجم (God) للدلالة على أن الألوهية حقيقة. ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>