للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قلت: ممّا سلف بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل تلك الروايات تكمن في الواقدي، وأبي مخنف، وعوانة بن الحكم، ورواية عمر بن شبة.
فأما الروايات التي من طريق الواقدي وأبي مخنف فهما متروكا الحديث، وأما عوانة بن الحكم فقد قال عنه الحافظ ابن حجر: "فكان يضع الأخبار لبني أمية" - لسان الميزان (٤/ ٣٨٦). وأما رواية عمر بن شبة التي تشير إلى اتهام يزيد بشرب الخمر في حداثته، فقد تكفل ابن عساكر -رحمه الله- في ردها فقال: "وهذه حكاية منقطعة، فإن عمر بن شبة بينه وبين يزيد زمان" تاريخ مشق (٦٥/ ٤٠٧).
قلت: وأقوى ما يتعلق به المتهمون يزيد بشرب الخمر بروايتين:
الرواية الأولى: وهي التي أخرجها ابن عساكر وغيره من طريق محمد بن زكريا الغلابي، في أن يزيدًا كان يشرب الخمر في حداثته، فأرشده أبوه إلى شربها ليلًا فقط! ! ، وهذه الرواية لا تصح سندًا ولا متنًا للعلل التالية:
- في سندها محمد بن زكريا الغلابي، قال عنه الدارقطني: كان يضع الحديث كما سبق.
- وفي سندها ابن عائشة راوي الخبر، وهو محمد بن حفص بن عائشة، فقد ذكره أبو حاتم في الجرح والتعديل (٧/ ٢٣٦)، البخاري (في التاريخ الكبير (١/ ٦٥)، وابن حبان في الثقات (٩/ ٦٢) وسكتوا عنه، فهو مجهول عندهما كما قرّر ذلك ابن القطان في كتابه: بيان الوهم والإيهام.
- لم تحدّد الصادر تاريخ وفاة ابن عائشة، غير أنّ ابنه عبد الله الراوي عنه توفي سنة ٢٢٨ هـ، وبهذا فإن ابن عائشة ولد تقريبًا بعد المائة من الهجرة، ومن ثم تكون الرواية مرسلة، لأن الراوي بينه وبين هذه القصة -على افتراض وقوعها- أمد بعيد.
- من ناحية المتن فكيف يرضى معاوية - رضي الله عنه - لولده بشرب الخمر، ويشجعه عليها ليلًا، ومعاوية هو الصحابي الجليل وأخو أم المؤمنين وكاتب الوحي المبين، وهو رواي الحديث: "من شرب الخمر فاجلوده". أخرجه الترمذي (١٤٤٤)، وقال الألباني: صحيح.
الرواية الثانية: وهي رواية يعقوب بن سفيان الفسوي: سمعت ابن عفير: أخبرنا ابن فليح أن عمرو بن حفص وفد على يزيد فأكرمه، وأحسن جائزته، فلمّا قدم المدينة قام إلى جنب المنبر، وكان مرضيًا صالحًا. فقال: ألم أجب؟ ألم أكرم؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكرًا. فأجمع الناس على خلعه بالمدينة فخلعوه".
وهذه الرواية لا تصح سندًا ولا متنًا، وذلك للعلل التالية:
- ابن فليح هو يحيى بن فليح بن سليمان المدني، قال عنه ابن حزم: مجهول، وقال مرة: ليس بالقوي. لسان الميزان (٦/ ٢٧٣).
- ابن فليح وأبوه أيضًا لم يدركا هذه الحادثة، فقد ولد أبوه سنة ٩٠ من الهجرة تقريبًا، قال الذهبي: ولد في آخر أيام الصحابة، وهو أسن من مالك بقليل. وتوفي سنة ثمان وستين ومائة من الهجرة، ومن هنا يتضح أن كان بين مولد أبيه والحادثة مفاوز طويلة وزمان بعيد، ومن ثم تبقى الرواية منقطعة. انظر: سير أعلام النبلاء (٧/ ٣٥٢). =

<<  <  ج: ص:  >  >>