قلنا: ليس كذلك، وذلك أن قوله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بكونه للفراش صحيح.
وأما قوله: بثبوت النسب: فباطل لأن عبدًا ادعى سببين أحدهما: الأخوة، والثاني: ولادة الفراش فلو قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أخوك. الولد للفراش لكان إثباتًا للحكم وذكرًا للعلة. بَيْدَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدل عن الأخوة، ولم يتعرض لها وأعرض عن النسب، ولم يصرح به، وإنما هو في الصحيح في لفظ هو أخوك وفي آخر هو لك، معناه: فأنت أعلم به، وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف.
فالحارث بن كلدة لم يدَّع زيادًا ولا كان إليه منسوبًا، وإنما كان ابن أمته، ولد على فراشه أي في داره فكل من ادعاه فهو له إلا أن يعارضه من هو أولى به منه، فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز بل فعل فيه الحق على مذهب مالك.
فإن قيل فلم أنكر عليه الصحابة؟ قلنا: لأنها مسألة اجتهاد فمن رأى أن النسب لا يلحق بالوارث الواحد أنكر ذلك، وعظمه.
فإن قيل: ولم لعنوه وكانوا يحتجون بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ملعون من انتسب لغير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه؟ قلنا: إنما لعنه من لعنه لوجهين:
أحدهما: لأنه أثبت نسبه من هذا الطريق، ومن لم ير لعنه لهذا لعنه لغيره، وكان زياد أهلًا أن يلعن عندهم لما أحدث بعد استلحاق معاوية.
فإن قيل: جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - للزنا حرمة، ورتب عليه حكمًا حين قال:(احتجبي منه يا سودة) وهذا يدل على أن الزنا يتعلق به من حرمة الوطء ما يتعلق بالنكاح الصحيح هكذا قال الكوفيون، ومالك في رواية ابن القاسم يساعدهم على المسألة، ولا يساعدهم على دليلها من هذا الوجه، وقد بيناها في كتاب النكاح.
وقال الشافعي: العذر في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لسودة بالاحتجاب مع ثبوت نسبه من زمعة وصحة إخوته لها بدعوى عبد أن ذلك تعظيم لحرمة أزواج - صلى الله عليه وسلم - لأنهن لم يكنَّ كأحد من النساء في شرفهن، وفضلهن.