قلنا: لو كان أخاها بنسب ثابت صحيح كما قلتم ويكون قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الولد للفراش تحقيقًا للنسب لما منع النبي - صلى الله عليه وسلم - سودة منه كما لم يمنع عائشة من الرجل الذي قالت: هو أخي من الرضاعة وإنما قال: (انظرن من إخوانكن).
وأما ما روى عن سعيد بن المسيب فأخبر عن مذهبه في أن هذا الاستلحاق ليس بصحيح وكذلك رأى غيره من الصحابة، والتابعين، وقد صارت المسألة إلى الخلاف بين الأئمة وفقهاء الأمصار فخرجت من حد الانتقاد إلى حد الاعتقاد، وقد صرح مالك في كتاب الإسلام، وهو: الموطأ بنسبه فقال في دولة بني العباس زياد بن أبي سفيان، ولم يقل كما يقول المخاذل زياد بن أبيه هذا على أنه لا يرى النسب يثبت بقول واحد، ولكن في ذلك فقه بديع لم يتفطن له أحد وهو أنها لما كانت مسألة خلاف ونفذ الحكم فيها بأحد الوجهين لم يكن لها رجوع، فإن حكم القاضي في مسائل الخلاف بأحد القولين يمضيها، ويرفع الخلاف فيها، والله أعلم.
١١ - وأما روايتهم: أن عمر قال: كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس: فهذه زيادة ليس لها أصل من ناقص عقل، وأي عقل كان لزياد يزيد به على الناس في أيام عمر، وغلام كل واحد من الصحابة كان أعقل من زياد، وأعلم منه، ولهذا كل من كمل عقله أكثر من الآخر فهو أولى أن يختلط مع الناس.
١٢ - ويقولون إنه كان داهية وهي كلمة واهية. والدهاء هو المعرفة بالمعاني، والاستدلال على العواقب بالمبادئ، وكل احد من الصحابة، والتابعين فوق زياد. . . وخذ من ولاة بني أمية خاصة -أعقل من زياد وأفصح منه فلا تلتفتوا إلى ما روى من الأباطيل.
١٣ - وأما كلام أبي بكرة أخيه لأمه فيه فغير ضائر له لأن ذلك رأي أبي بكرة واجتهاد.
١٤ - وأما قولهم فيها عن أبي بكرة أنه زنّى أمه فلو كان ذلك صحيحًا لم يضر أمه، ما جرى في الجاهلية في الدين فإن الله عفا عن أمر الجاهلية بالإسلام وأسقط الإثم عنه فلا يذكره إلا جاهل به.