للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحاولون نسيان ماضيهم إذا طابت أيامهم ووسع الله عليهم، وإنما كان يستحضر ماضيه، وما عانى فيه من فاقة وحرمان، ليشكر الله تعالى على نعمة الدين وغيرها من النعم التي أسبغها عليه، ويستزيد بذلك من نعمه تعالى.

عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خُثَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَأَتَاهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْمدِينَةِ عَلَى دَوَابَّ فَنزلُوا عِنْدَهُ -قَالَ حُمَيْدٌ- فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أذْهَبْ إِلَى أمي فَقُلْ إِنَّ ابْنَكِ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ وَيقُولُ أَطْعِمِينَا شَيْئًا، قالَ: فَوَضَعَتْ ثَلَاثَةَ أَقْرَاصٍ في صَحْفَةٍ وَشَيْئًا مِنْ زيتٍ وَمِلْحٍ، ثُمَّ وَضعَتْهَا عَلَى رأسي وَحَمَلْتُهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمّا وَضَعْتُهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ كَبَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَالَ: الحْمْدُ للهَ الذي أَشْبَعَنَا مِنَ الْخُبْزِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامُنَا إِلَّا الأَسْوَدَيْنِ الْماءَ وَالتَّمْرَ. . . (١)

قال الذهبي: وكان من أوعية العلم مع الجلالة والعبادة والتواضع. (٢)

ولعله أراد بقوله: إمامًا، إمامة العلم والفتوى. وكان مع تواضعه كريمًا، وكيف لا يكون كذلك وقد صحب من كان أجود من الريح المرسلة - صلى الله عليه وسلم -.

بره بأمه وحب الناس له: كان أبو هريرة - رضي الله عنه - بارًا بأمه، وكان من بره بها: اصطحابه لها في الهجرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت مشركة، رجاء أن تؤمن بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد حقق الله تعالى رجاءه؛ حيث أجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - طلبه بالدعاء لأمه فآمنت، وفرح بذلك فرحًا شديدًا أبكاه.

عَنْ أَبِي كَثِيرٍ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حدثني أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أكره، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، قلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اهد أم أبي هريرة" فخرجت مستبشرًا بدعوة نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة


(١) صحيح. أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٩٣٣، ومن طريقه البخاري في الأدب المفرد (٥٧٢) من حديث محمد بن عمرو بن حلحلة، عن حميد بن مالك بن خثيم. وصحح إسناده الألباني في الأدب المفرد (٤٤٥).
(٢) تذكرة الحفاظ ١/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>