للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرًا، قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله: "اللهم حبب عبيدك هذا يعني أبا هريرة -وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين" فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني. (١) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِلْعَبْدِ الْممْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ"، والذي نفسي بِيَدِهِ لَوْلَا الجهَادُ في سَبِيلِ الله، وَالحجُّ وَبِرُّ أمي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ. (٢)

توسطه في الفتوى: يعني أنه ليس من المكثرين في الفتوى فالوسطية هنا مقابل القلة والكثرة وليس التشدد والتنطع-: قال ابن القيم: وَلمَّا كَانَ التَّبْلِيغُ عَنْ الله سُبْحَانَهُ يَعْتَمِدُ الْعِلْمَ بِمَا يُبَلَّغُ، وَالصِّدْقَ فِيهِ، لَمْ تَصْلُحْ مَرْتبَةُ التَّبْلِيغِ بِالرِّوَايَةِ وَالْفُتْيَا إلَّا لمَنْ اتَّصَفَ بِالْعِلْمِ وَالصِّدْقِ؛ فَيَكُونُ عَالمًا بِمَا يُبَلِّغُ صَادِقًا فِيهِ، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ، مَرَضِيَّ السِّيرَةِ، عَدْلًا فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، مُتَشَابِهَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَأَحْوَالِهِ؛ وإِذَا كَانَ مَنْصِبُ التَّوْقِيعِ عَنْ المُلُوكِ بِالْمحِلِّ الَّذِي لَا يُنْكَرُ فَضْلُهُ، وَلَا يُجْهَلُ قَدْر، وَهُوَ مِنْ أَعْلَى المرَاتِبِ السَّنِيَّاتِ، فَكَيْف بِمَنْصِبِ التَّوْقِيعِ عَنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ؟ فَحَقِيقٌ بِمَنْ أُقِيمَ فِي هَذَا المنْصِبِ أَنْ يَعُدَّ لَهُ عُدَّتَهُ، وَأَنْ يَتَأَهَّبَ لَهُ أُهْبَتَهُ، وَأَنْ يَعْلَمَ قَدْرَ المُقَامِ الَّذِي أُقِيمَ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ فِي صَدْرِهِ حَرَجٌ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ وَالصَّدْعِ بِهِ؛ فَإِنَّ الله نَاصِرُهُ وَهَادِيهِ.

وَأَوَّلُ مَنْ قَامَ بِهَذَا المنْصِبِ الشَّرِيفِ سَيِّدُ المُرْسَلِينَ، وَإِمَامُ المُتَّقِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَسَفِيرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ فَكَانَ يُفْتِي عَنْ الله بِوَحْيِهِ المُبِينِ.

ثُمَّ قَامَ بِالْفَتْوَى بَعْدَهُ بَرْكُ الْإِسْلَامِ وَعِصَابَةُ الْإِيمَانِ، وَعَسْكَرُ الْقُرْآنِ، وَجُنْدُ الرَّحْمَنِ،


(١) مسلم (٢٤٩١).
(٢) البخاري (٢٥٤٨)، مسلم (١٦٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>