فاتضح من هذا النص النص أمران: الأول: أن المسيح لم يقل للمفلوج: ثق يا بني لقد غفرتُ لك خطاياك! بل أنبأه قائلًا: مغفورة لك خطاياك. والفرق واضح بين الجملتين، فالجملة الثانية لا تفيد أكثر من إعلام المفلوج، بأن الله تعالى قد غفر ذنوبه، وليس في هذا الإعلام أي دليل على ألوهية المسيح، لأن الأنبياء والرسل المؤيدين بالوحي والمتصلين بجبريل الأمين، يطلعون بإطلاع الله تعالى لهم، على كثير من المغيبات والشؤون الأخروية ومنها العاقبة الأخروية لبعض الناس، كما أخبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عن بعض صحابته فبشرهم أنهم من أهل الجنة وعن آخرين فبشرهم أنهم من أهل النار.
ثانيًا: قد يشكل على ما قلناه قول المسيح فيما بعد، ولكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا، فنسب غفران الخطايا لنفسه.
قلنا: آخر النص يجعلنا نحمل هذه النسبة على النسبة المجازية، أي على معنى أن ابن الإنسان (المسيح) خوله الله أن يعلن غفران خطايا، وذلك لأن الجملة الأخيرة في النص السابق تقول:"فلما رأى الجموع ذلك تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا"، فالغافر بالأصل والأساس هو الله تعالى، ثم هو الذي منح هذا الحق للمسيح وأقدره عليه؛ لأن المسيح فنى في الله تعالى وكان على أعلى مقام من الصلة بالله والكشف الروحي ولا يتحرك إلا ضمن حكمه وإرادته فلا يبشر بالغفران إلا من استحق ذلك.
ومما يؤكد أن غفران المسيح للذنوب هو تخويل إجمالي من الله تعالى له بذلك، وليس بقدرة ذاتيه له عليه السلام، هو أن المسيح، في بعض الحالات كان يطلب المغفرة للبعض من الله تعالى فقد جاء في إنجيل لوقا (٢٣/ ٣٤): " فقال يسوع: يا أبتاه! اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون". فانظر كيف طلب من الله غفران ذنبهم ولو كان إلهًا يغفر الذنوب