للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: روح منه أي رحمة منه، قيل في تفسير قوله تعالى: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: ٢٢] أي برحمة منه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا رحمة مهداة" فلما كان عيسى رحمة من الله على الخلق من حيث أنه كان يرشدهم إلى مصالحهم في دينهم ودنياهم، لا جرم سمي روحًا منه.

الرابع: أن الروح هو النفخ في كلام العرب؛ فإن الروح والريح متقاربان، فالروح عبارة عن نفخة جبريل وقوله: (مِنْهُ) يعني أن ذلك النفخ من جبريل كان بأمر الله وإذنه فهو منه، وهذا كقوله {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء: ٩١].

الخامس: قوله (رُوحُ) أدخل التنكير في لفظ (رُوحُ) وذلك يفيد التعظيم، فكان المعنى: وروح من الأرواح الشريفة القدسية العالية، وقوله (مِنْهُ) إضافة لذلك الروح إلى نفسه لأجل التشريف والتعظيم. (١)

الثاني: أن (مِنْ) في قوله (وروح منه) لابتداء الغاية، وليست للتبعيض يقول ابن كثير: ((وليست (من) للتبعيض كما تقول النصارى، بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣]. وقد قال مجاهد في قوله (وَرُوحٌ مِنْهُ) أي رسول منه، وقال غيره: ومحبة منه والأظهر الأول وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله) ((٢).

ويقول الشنقيطي: ولكن من هنا لابتداء الغاية، يعني: أن مبدأ ذلك الروح الذي ولد به عيسى حيًّا من الله تعالى، لأنه هو الذي أحياه به، ويدل لما ذكرنا ما روي عن أبي بن كعب أنه قال خلق الله أرواح بني آدم لما أخذ عليهم الميثاق، ثم ردها إلى صلب آدم وأمسك عنده روح عيسى - عليه السلام - فلما أراد خلقه أرسل ذلك الروح إلى مريم فكان منه عيسى - عليه السلام -" (٣).

الثالث: ولو فرض أن (مِنْ) هنا للتبعيض لفسد المعنى نصرانيًّا كما سبق بيانه في قوله


(١) تفسير الرازي سورة النساء آية (١٧١).
(٢) تفسير ابن كثير (١/ ٥٩٠).
(٣) "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (١/ ٤٩٤ - ٤٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>