تعالى {بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} فلو قلنا على سبيل الفرض: وروح بعض منه باعتبار أن الروح هو عيسى عينه لكان المعنى فاسدًا من وجوه:
١ - منها: أن عيسى يصبح جزءًا وبعضًا من الإله. والبعض ليس مساويًا للكل عقلًا، والنصارى يعتقدون أن المسيح (الابن) بزعمهم إله مساوٍ للأب في الجوهر وليس جزءًا منه بل يعتقدون أن الكلمة كما مر آنفًا - وهي عيسى - هي الله فعيسى ليس بعضًا من الله، سواء كان هو الروح أو هو الكلمة بحسب اعتقادهم. وهذا مبطل لكون (مِنْ) للتبعيض، فضلًا عما مر سابقًا من استخدام (مِنْ) لابتداء الغاية في كتبهم على نحو يمنع من خلال السياق أن تكون للتبعيض وهو ما يماثل ما ههنا.
وأما قوله تعالى {رُوحَنَا} في مثل قوله {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا}:
فيقول ابن كثير:"يعني جبريل - عليه السلام -". وكذلك روح القدس في مثل قوله تعالى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}[النحل: ١٠٢] .. يذكر ابن كثير أنه جبريل.
ويقول ابن تيمية: إن المضاف في الثانى (أي القسم الثاني) من أقسام المضاف إلى الله مملوك لله، مخلوق له، بائن عنه، لكنه مفضل مشرف لما خصه الله به من الصفات التي اقتضت إضافته إلى الله تبارك وتعالى، كما خص ناقة صالح من بين النوق وكما خص بيته بمكة من بين البيوت، وكما خص عباده الصالحين من بين الخلق. ومن هذا الباب قوله تعالى {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} فإنه وصف هذا الروح بأنه تمثل لها بشرًا سويًّا وأنها استعاذت بالله منه إن كان تقيًّا، وأنه قال: إنما أنا رسول ربك ... وهذا كله يدل على أنها عين قائمة بنفسها" (١).
كما يقول رحمه الله عن الموضوع نفسه "فأخبر هذا الروح الذي تمثل لها بشرًا سويًّا أنه رسول ربها؛ فدل الكلام على أن هذا الروح عين قائمة بنفسها، ليست صفة لغيرها، وأنه رسول من الله ليس صفة من صفات الله؛ ولهذا قال جماهير العلماء: إنه جبريل - عليه السلام - فإن الله