للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكر في نفسه، ودبر في خلده، وعلم أنه إذا قَتل قُتل امتنع من القتل، فيبقى هو حيًا والمهموم بقتله حيًا، وهذا معنى القصاص والزجر والردع. (١)

قال ابن القيم: فولا القصاص لفسد العالم وأهلك الناس بعضهم بعضًا ابتداءً واستيفاءً، فكأن في القصاص دفعًا لمفسدة التجري على الدماء بالجناية وبالاستيفاء. . .، وبسفك الدماء تحقن الدماء، فلم تغسل النجاسة بالنجاسة، بل الجناية نجاسة، والقصاص طهرة، وإذا لم يكن بد من موت القاتل ومن استحق القتل فموته بالسيف أنفع له في عاجلته وآجلته والموت به أسرع الموتات وأوحاها وأقلها ألما، فموته به مصلحة له ولأولياء القتيل ولعموم الناس (٢).

والرأفة بالمجرمين تشجع على الإجرام، والعذاب الذي يصحب العقوبة هو الذي يؤدب من أجرم ويزجر من لم يجرم، والعقوبة التي تحابي الأفراد على حساب الجماعة إنما تضيع مصلحة الفرد والجماعة معًا؛ لأنها تؤدي إلى ازدياد الجرائم واختلال الأمن, ثم توهين النظام وانحلال المجتمع، وإذا دب الانحلال في مجتمع فقل على الأفراد والمجتمع العفاء، وإن إقامة الحدود عبادة وجهاد ويجب على الأفراد أن يعاونوا أولي الأمر عليها، وإذا كان الجهاد في قتال الأعداء لدفع أذى المعتدين وحماية الأمة منهم، فإن تنقية الأمة من عناصر الفساد من الجهاد أيضًا؛ لأنه جهاد لحماية الدين والأخلاق والفضيلة وصون للمجتمع من عناصر الفساد التي تنخر في عظامه ولا قوة لأمة يسودها الانحلال الخلقي ولا أمن فيها ولا سلامة، وفوق ذلك لا سبيل إلى محاربة الأعداء إلا إذا كان المجتمع سليمًا من الفساد، وحسبما نراه في بعض الدول التي اعتصمت بقوة السلاح ولم تعتصم بقوة الأخلاق فقد خرت صريعة عند أول لقاء بأعدائها (٣).


(١) مغيث الخلق في ترجيح القول الحق للجويني (٧٠ - ٧١).
(٢) إعلام الموقعين (٢/ ١٠٦، ١٠٧).
(٣) تنظيم الإِسلام للمجتمع د/ رمزي نعناعة (٩٤ - ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>