وكان بعض أزواجه -صلى اللَّه عليه وسلم- كأم المؤمنين عائشة -رضي اللَّه عنها- يؤخذ عنها العلم، وكانت بذلك تُعلِّم عددًا من الرجال الذين كانوا يتوجهون إليها بالسؤال عن حال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهديه، كما كانت تعلم عددًا لا بأس به من النساء، وكان لبعض زوجات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- معرفة بكثير من قضايا التفسير لبعض آيات القرآن الكريم، وكثير من مسائل الفقه.
إن الإسلامَ حرَّض النساء على طلب العلم والتعلم كما أسلفنا، وبعد عهد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لبعض النساء المسلمات قدم راسخة في العلم، ولم يكن عددُهن قليلًا في أي قرن من القرون التي كانت الحضارة الإسلامية فيها مزدهرة.
وسوف أدلل على هذا بما يلي:
١ - ذكر الحافظ ابن عساكر (٤٤٩ - ٥٧١ هـ) المؤرخ المحدث الرحالة أن عدد شيوخه وأساتذته من النساء كان بضعًا وثمانين امرأة، فهل كان هؤلاء هن المتعلمات وحدهن؟ وله معجم سماه "معجم النسوان".
٢ - وذكر الحافظ الذهبي (٦٧٣ - ٧٤٨ هـ) المؤرخ المحدث المحقق، وله مؤلفات عديدة في رواة الحديث النبوي، وقد قال عن روايات الحديث من النساء: وما علمت من النساء من اتهمت، ولا من تركوها. أي: لم يتهم أحد من المحدثين الذين رووا عن النساء إحداهن بما يطعن في روايتها، ولم يتركوا الرواية عن واحدة منهن، لفقدها شروط حمل الحديث وروايته.
وقد روى الإمام البخاري عددًا من الأحاديث النبوية في صحيحه عن بعض النساء من راويات الحديث.
وكان ممن عَلَّم الإمام الشافعي، وابن خلكان، وأبا حيان بعضُ النساء، كما حكى هؤلاء الأعلام ذلك بأنفسهم.
فقد ذكر ابن خلكان أن أستاذته أم المؤيد زينب بنت الشعري أخذتِ العلم من كبار العلماء وروته عنهم، وقد منحوها إجازة علمية في ذلك، ثم يقول ابن خلكان بعد ذلك: إنها منحته إجازة علمية كتبتها له سنة ٦١٠ هـ".