للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبرهم جل ثناؤه أنه قد أحل لهم ما عدا هؤلاء المحرمات المبينات في هاتين الآيتين أن نبتغيه بأموالنا نكاحًا وملك يمين، لا سفاحًا (١).

وقال السعدي: وقوله {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} أي: تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم من اللاتي أباحهن اللَّه لكم حالة كونكم {مُحْصِنِينَ} أي: مستعفين عن الزنا ومعفين نساءكم. {غَيْرَ مُسَافِحِينَ}، والسفح: سفح الماء في الحلال والحرام، فإن الفاعل لذلك لا يحصن زوجته لكونه وضع شهوته في الحرام، فتضعف داعيته للحلال، فلا يبقى محصنا لزوجته، وفيها دلالة على أنه لا يزوج غير العفيف لقوله {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)} (النور: ٣).

{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} أي: إتيانكم إياهن أجورهن فرض فرضه اللَّه عليكم ليس بمنزلة التبرع الذي إن شاء أمضاه وإن شاء رده أو معنى قوله فريضة: أي: مقدرة قد قدرتموها فوجبت عليكم فلا تنقصوا منها شيئًا.

{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} أي بزيادة من الزوج أو إسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس (هذا قول كثير من المفسرين، وقال كثير منهم: إنها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالا في أول الإسلام ثم حرمها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنه يؤمر بتوقيتها وأجرها، ثم إذا انقضى الأمد الذي بينهما تراضيًا بعد الفريضة فلا حرج عليهما، واللَّه أعلم).

{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} أي: كامل العلم والسعة، كامل الحكمة: فمن علمه وحكمته شرع لكم هذه الشرائع وحد لكم هذه الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام (٢).

وقال النسفي: {بِأَمْوَالِكُمْ} يعني المهور، وفيه دليل على أن النكاح لا يكون إلا بمهر، وأنه يجب وإن لم يسم، وأن غير المال لا يصلح مهرًا وأن القليل لا يصلح مهرًا إذ


(١) تفسير الطبري ٥/ ٩.
(٢) تفسير السعدي ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>