للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطحاوي: فلما تواترت هذه الآثار عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالنهي عن وطء المرأة في دبرها ثم جاء عن أصحابه وعن تابعيهم ما يوافق ذلك وجب القول به وترك ما يخالفه. (١)

قلت: وهذا هو الثابت الصريح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعن الصحابة الكرام كما عرضنا أقوالهم.

وإليك الأسباب والعلل الشرعية التي منعت هذا الفعل:

١ - إن من مقاصد الشريعة حفظ النفس وحفظ العرض ولذا حرم الوطء في الدبر:

فإن مما يجب أن يعلم أن شريعة اللَّه تعالى فيها تحقيق لمصالح العباد، وهي كلها رحمة وحكمة وعدل، ليس فيها شيء خارج عن ذلك، بل كل تشريع فيها يحقق للمكلف النفع والمصلحة في دينه ودنياه، وهذه المصالح المترتبة على التشريع فيها المصالح الضروريات والحاجيات والتحسينات، وهي المعروفة عندنا بمقاصد الشريعة، وهي التي لأجلها شرع اللَّه الشرائع وأنزل الأحكام وربما الثواب والعقاب ومن هذه المقاصد حفظ النفس وحفظ العرض، ومما شرع لحفظ النفس الزواج وذلك لبقاء النوع وتكثيره وعدم الوقوع في الفواحش، وقد جاء مقصد "حفظ العرض" مكملًا لذلك لوقايته من أسباب الفجور والرذيلة، ومن المسائل التي لها تعلق بهذين المقصدين مسألة "وطء المرأة في دبرها" فهي من جهة كونها مما يتفرع على عقد النكاح تندرج في المقصد الأول ومن جهة كونها انتهاكًا كالعرض والشرف تندرج في المقصد الثاني الذي جاءت الشريعة بحمايته (٢)؛ من أجل هذا كله حرم اللَّه وطء المرأة في دبرها.


= وأحمد (٢/ ١٨٢)، والنسائي مرفوعًا وموقوفًا (٨٩٩٦، ٨٩٩٩)، والبيهقي (٧/ ١٩٨)، قال الحافظ في تلخيص الحبير (٣/ ١٨١): والمحفوظ عن عبد اللَّه بن عمرو من قوله، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٤/ ٣٠١): رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح.
(١) شرح معاني الآثار للطحاوي (٣/ ٤٦).
(٢) نقلًا من مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية السادسة عشرة العدد السابع والأربعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>