للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنه مباح ولا جائز والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أحله اللَّه به من الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم، وأطلق لفظ الكراهة لأن الحرام يكرهه اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد قال اللَّه -تعالى- عقب ذكر ما حرمه من المحرمات من عند قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (٢٥) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (٢٨) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٣٠) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (الإسراء: ٢٣ - ٣١)، ثم قال {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}، وفي الصحيح "أن اللَّه عز وجل كره لكم قيل، وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" (١)، فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث؛ فغلط في ذلك، وأقبح غلطًا منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ لا ينبغي في كلام اللَّه ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث. اهـ. (٢)

وقال الألباني: ولهذا نقول لقد أخطأ من نسب إلى الشافعي القول بإباحة تزوج الرجل بنته من الزنى بحجة أنه صرح بكراهة ذلك، والكراهة لا تنافي الجواز إذا كانت للتنزيه، ثم


(١) رواه البخاري (١٤٠٧)، ومسلم (٤٥٧٨).
(٢) إعلام الموقعين (١/ ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>