للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} (الهمزة ٤: ٨).

وفيه يقول الفخر الرازي (في تفسير الكبير): {نَارُ اللَّهِ} الإضافة (أي: إضافة النار إلى اللَّه، أي: نسبتها إليه) للتفخيم؛ أي: هي نار لا كسائر النيران. {الْمُوقَدَةُ}: التي لا تخمد أبدًا، أو {الْمُوقَدَةُ} بأمره أو بقدرته. وفي الحديث النبوي: "أَوْقَدَ عليها ألف سنة حتى احمرت، ثم ألف سنة حتى ابيضت، ثم ألف سنة حتى اسودت، فهي الآن سوداء مظلمة" (١).

ثم يقول: أما قوله تعالى: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧)} فأعلم أنه يقال: طلع الجبل، واطلع عليه إذا علاه. وفي تفسير الآية يقول: إن النار تدخل في أجوافهم، حتى تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم، ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد (والفخر الرازي يقصد به القلب العضلي)، ولا أشد تألمًا منه بأدنى أذى يَمَاسُّه، فكيف إذا اطلعت نار جهنم واستولت عليه؟ ! ثم إن الفؤاد مع استيلاء النار عليه لا يحترق، إذ لو احترق لمات، وهذا هو المراد (يقصد المعنى) من قوله: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}، ومعنى الإطلاع هو أن النار تنزل من اللحم إلى الفؤاد (٢).

ويضيف العلم الحديث توضيحًا إلى هذا التفسير وما شابهه من تفسيرات للآية القرآنية، فلقد اكتشف العلماء حدوث تغيرات كبيرة في الفؤاد (القلب) والجهاز الدوراني بجسم المحروق؛ منها: هبوط انقباضية الفؤاد، هبوط في جانبه الأيسر، أو في جانبه الأيمن، أو في كليهما معًا، كما تحدث تغيرات ضارة جدًا في سوائل الدم وخلاياه.

وبعدُ فلنعُد إلى الآية الأساسية لموضوعنا الحالي، لنجد أن اللفظة القرآنية {نَضِجَتْ} (النساء: ٥٦) ستظل باقية على مرِّ الزمان، وشاهدة بالإشارة إلى حقيقة علمية لم يتوصل


(١) رواه الترمذي (٢٥١٦) وقَالَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا مَوْقُوفٌ أَصَحُّ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ يَحْيَى ابْنِ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ شَرِيكٍ، وضعفه السيوطي في الجامع الصغير (٢٧٩٩)، والألباني في الضعيفة (١٣٠٥).
(٢) انظر مفاتيح الغيب ١٧/ ٢٠٧ - ٢٠٨ باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>