للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظنوه المسيح، فوقعوا فيما حذرهم منه المسيح، وهو الشك فيه، لقد كان أخبرهم بنجاته من المؤامرة ثم يرون أنه قد أخذ ولم ينج.

ويوضح العلامة أحمد عبد الوهاب هذه المسألة، فيقول بأن الشك هو تراجع داخل النفس، ويستشهد لتفسيره بما جاء في غير الترجمة العربية، فالنص في التراجم الأخرى تعريبه هكذا: "كلكم ترتدون عن عقيدتكم وتزلون".

ويفرق بين الإنكار والشك، فالشك عمل قلبي، والإنكار: قد ينكر الإنسان بلسانه ما يعتقده في قلبه، والذي وقع من التلاميذ شك لا إنكار. فلقد آمن التلاميذ بالمسيح، وصدقوه فيما تنبأ به، فإذا رأوا ما اعتبروه مخالفًا لنبوءاته، فسوف يحصل منهم الشك، والردة عن العقيدة.

ويورد الأستاذ أحمد عبد الوهاب احتمالين:

الأول: أن يكون المسيح قد تنبأ لتلاميذه بأن مؤامرة ستدبر ضده، وستُحدث له ألمًا ومعاناة، إلا أنها ستفشل، وسينقذه الله من القتل، كما في قوله: "سَتَطْلُبُونَنِي وَلَا تَجِدُونَنِي" (يوحنا ٧/ ٣٦). وهذا الذي حصل ولم يشاهده التلاميذ، بل هم قد رأوا ما حسبوه وظنوه نقيضَه، فقد رأوا المسيح مأخوذًا مصلوبًا، فوقعوا في الشك فيه، لأن كلامه لم يتحقق، وهذا هو الصحيح.

والآخر: أن المسيح تنبأ بأن المؤامرة ستنتهي بقتله، وليس هناك ما يدعو للشك والارتياب حسب هذه الصورة، سواء تحقق قوله أم لم يتحقق، إذ تحققه تصديق لقوله، وتخلُفه إكرام من الله له وحفظ ورعاية.

وهذا الفرض خاطيء، ويدحضه العود إلى لحظة القبض على المسيح، حيث نجد أن التلاميذ جميعا قد هربوا، وتركوا المسيح وحده. ويبدو هنا شكهم واضحًا، لقد حصل أمام التلاميذ ما لم يتوقعوه -فيما يظهر لهم-، أي ما لم يتنبأ به المسيح.

فلئن كان أخبرهم بأن سيُقبض عليه وسيقتل، فليس ثمة ما يثير الشك، وإن كان

<<  <  ج: ص:  >  >>