للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم مصادقة العصاة

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز للرجل المتمسك بالإسلام أن يتحدث إلى شخص مسلم بالاسم يشرب الكحول ولا يصلي، وأن تنشأ بينهما مودة وصداقة ويتخذه مساعدا له؟ ما هو الحكم في اتخاذ أمثال هؤلاء (الذين لا يمارسون شعائر الدين وهم يخالفون أوامر الله) أصدقاء ومساعدين؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

المعاصي على نوعين:

النوع الأول: معاص مكفرة، وهي التي تؤدي بالإنسان إلى الخروج من الملة والعياذ بالله، وصاحب هذه المعاصي كافر خارج من الملة متى توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع، كمن يشرك بالله، أو يترك الصلاة تركاً كاملاً، ونحو ذلك.

النوع الثاني: معاص غير مكفرة، وهي التي لا تخرج الإنسان من الملة، لكن يوصف فاعلها بأنه فاسق، ومؤمن ناقص الإيمان، كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، ما لم يستحلها، فإن استحل الحرام خرج من الملة، إذا انطبقت عليه شروط التكفير وانتفت موانعه، فعقيدة أهل السنة والجماعة وإجماع السلف على عدم تكفير صاحب الكبيرة ما لم يستحلها، وراجع لذلك إجابة السؤال رقم (٩٩٢٤) .

إذا علم هذا، فمصاحبة الناس ينبني حكمها على ما سبق.

فلا يجوز اتخاذ الكافرين أولياء، أو مخالطتهم مع الأنس بهم أو السكن معهم واتخاذهم أصدقاء وخلان، أو محبتهم، أو تقديمهم على المؤمنين أو مودتهم ونحو ذلك، وقد قال الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/٢٢، لكن يجب العدل معهم وعدم ظلمهم والاعتداء عليهم بغير وجه شرعي، ويجوز التعامل معهم بالبيع والشراء والقرض ونحو ذلك، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية سلاحاً، وصح أنه اشترى من اليهود طعاماً.

أما عصاة المؤمنين، فتجب محبتهم بقدر ما معهم من إيمان، ويجب بغضهم بقدر ما معهم من فسق ومعصية، أما اتخاذهم أصدقاء، فهذا مما يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَة ً) رواه مسلم برقم (٢٦٢٨) ، فصديق السوء يورد الإنسان المهالك، ويضره أكثر مما ينفعه، وفرق بين أن أوالي ذلك الشخص، وأحبه لأن معه وصف الإيمان، وبين أن أصاحبه فآخذ منه ويأخذ مني.

لكن إن كان القصد من الجلوس مع ذلك الشخص تأليف قلبه بغرض الدعوة إلى الله تعالى، وإرشاده إلى طريق الهداية، فهذا من الأعمال الفاضلة، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) فصلت/٣٣، لكن بشرط ألا يؤثر ذلك عليك، فتضر نفسك من حيث تريد أن تنفعها.

وبناء على ما سبق، فإن الشخص المسؤول عنه، إن كان تاركا للصلاة بالكلّية، فهو كافر، لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول السلف، أن تارك الصلاة كافر كفرا أكبر، مخرجا من الملة، وراجع لأدلة ذلك، الأسئلة التالية (٢١٨٢، ٥٢٠٨، ٦٠٣٥، ٣٣٠٠٧، ١٠٠٩٤) ، وعليه فلا تجوز مودته، ولا موالاته، بل يدعى إلى التوبة إلى الله عز وجل، والالتزام بالصلاة، وقد قال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) التوبة/١١

واعلم أن مصاحبة الأخيار مما أوصى به ربنا جل وعلا، ونبينا صلى الله عليه وسلم، كما سبق في الحديث المتقدم، وكما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة /١١٩، وقال تعالى (واصبر نفسك مع الذي يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الكهف/٢٨، والله أعلم

للمزيد راجع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (٣ / ٣١) .

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>