للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اختلاف الوالدين في طريقة التربية

[السُّؤَالُ]

ـ[إذا اختلف الأبوان فى طريقة تربية الأبناء، بحيث إن كلا منهما يرى ما لا يراه الآخر، فهل تجب على الزوجة أن تطيع زوجها فيما تراه يؤدى إلى فتنة الابن - حيث إن أباه يريد أن يحاسبه على كل كبيرة وصغيرة -؟ أم إنها تظهر الطاعة أمامه، ثم تفعل ما تراه مناسبا بعد ذلك مع ابنها - من باب قول الله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) ومن باب (كلكم راع) -؟ أم إن هذا الخطاب موجه للولي فقط، وهو الأب؟ أم إن هذا يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم (لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق) ؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

تربية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الوالدين، فقد ولاهما الله سبحانه وتعالى حفظ هذه الأمانة، كل بحسب موقعه وقدرته، ولا ينبغي حصر هذه المسؤولية العظيمة في واحد منهما دون الآخر.

عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) .

رواه البخاري (٨٥٣) ومسلم (١٨٢٩) .

فتأملي كيف نص الحديث على مسؤولية كل واحد من الأبوين ليؤكد استقلال كل واحد بهذا التكليف، وفي حديث الفطرة يظهر أيضا كيف أن التوجه الديني للأبناء مبني على توجه أبويهم معا وليس واحداً منهما فقط.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ) .

رواه البخاري (١٢٩٢) ومسلم (٢٦٥٨) .

وفي أداء المسؤوليات المشتركة جاءت الشريعة بالأمر بوسيلة تؤدي في الغالب إلى أكمل النتائج وأحسنها، وذلك من خلال " الحوار والمشاورة "، ولعل هذه القيمة أعظم سبب لسعادة الأسرة ونجاح التربية، وقد جاء الأمر بالشورى في المسؤوليات المشتركة في قوله تعالى: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) البقرة/٢٣٣.

قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -:

أي: فإن اتفق والدا الطفل على فطامه قبل الحولين، ورأيا في ذلك مصلحة له، وتشاورا في ذلك، وأجمعا عليه: فلا جناح عليهما في ذلك، فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الاخر لا يكفي، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر، قاله الثوري وغيره، وهذا فيه احتياط للطفل، وإلزام للنظر في أمره، وهو من رحمة الله بعباده حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه.

" تفسير القرآن العظيم " (١ / ٣٨٠) .

وتشير بعض الدراسات إلى أن كثيراً من المشاكل الزوجية التي تؤدي إلى الطلاق سببها غياب هذا النمط من المعايشة " نمط الشورى " من حياة الأسرة، أو الخطأ في ممارسته، فإن الحوار والشورى فن وعلم يحتاج دربة وممارسة وتفهما.

ومن الطبيعي أن تتعارض آراء الزوجين في بعض المسؤوليات المشتركة كتربية الأبناء؛ وذلك بسبب اختلاف ثقافة الزوجين، أو تدخّل بعض الأقارب في ذلك، وغير ذلك من الأسباب، ولكن ذلك لا يستلزم الوصول إلى حالة الأزمة الحقيقية إلا إذا لم يتوصل الزوجان إلى طريقة مناسبة لاحتواء هذا التعارض.

ثمة حل وعلاج يمكن اقتراحه لفك التعارض القائم بين أسلوبي الوالدين في التربية، وهو استشارة المختص، أو من تتيسر استشارته في المشاكل التي تختلفون حولها، ممن كانت عنده الخبرة والأمانة الكافية في ذلك؛ فالتربية علم وفن قائم بذاته، تقام له الدراسات وتمنح فيه الشهادات، بل هو من أخطر التخصصات وأدقها، ولن يعدم الزوجان بعض المستشارين التربويين الأمناء، فيلجؤوا إليهم لأخذ رأيهم في محل الخلاف خاصة.

ولعل إدراك الوالدين لخطورة انعكاسات تعارض أساليب التربية على شخصية الابن يحثهما على ضرورة تجاوز هذه المشكلة.

فالرسالة التربوية التي يحرص الأب على إيصالها ستضيع ويتلاشى أثرها إن قامت الأم بتوجيه رسالة مغايرة لها، ويؤدي ذلك إلى اختيار الابن الرسالة التي تناسبه هو، بل كثيرا ما يبتدع حلاًّ ثالثاً تبعاً لهواه هو، وذلك يعني صعوبة في تمييز الابن بين الصواب والخطأ، والحلال والحرام، وهو أخطر ما يواجه التربية الصحيحة.

وتعارض أساليب التربية قد يؤدي إلى كراهة الطفل أحد الوالدين وضعف الميل نحوه، وقد تبدو المشكلة أكبر فأكبر في مراحل متقدمة من تعمق الخلاف بين الأب والأم حول تربية الأبناء.

إذًا فمن الواجب أن يكون هناك اتفاق مبدئي بين الأب والأم على عدم قيام أي طرف منهما بتوجيه رسالة تربوية مخالفة للرسالة التي وجهها أحدهما إلى الأبناء، خاصة أمامهم، وإن كان ثمة ملاحظات أو اعتراضات على تلك الرسالة فيؤخر أمرها إلى حين المشاورة والمحاورة بعيدا عن عين الأبناء.

كما أن من المهم جدّاً أن يتعامل الوالدان بينهما بالصدق والصراحة، فلا ينبغي لا شرعا ولا خلقا وتربية وأدبا لأحد الوالدين أن يظهر للآخر موافقة على أسلوب تربوي معين، ولكنه في حقيقة الأمر يخالفه ويناقضه ولا يقوم به، وسريعا ما يكتشف الطرف الآخر خداعه له، فتفقد الثقة بين الأبوين في مسألة التربية، ولا تؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة، في حين أن سلوك الصراحة والمشاورة والمراضاة بين الأبوين يؤدي إلى تجاوز الخلاف، كما أنه يتجاوز بالأبوين كل خلاف آخر، وذلك حين يعتادان على الشورى والتفاهم.

ويجب مراقبة الله عز وجل في تربية الأبناء، والتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله في أصول التربية عند الاختلاف، فإن كان الاختلاف في الوسائل فطريقه المشاورة والمحاورة بين الأبوين، ثم بعد ذلك يكون الحَكَم بينهما هو الناصح الأمين، من أهل الاختصاص أو الخبرة، وإذا صدق الوالدان في نيتهما صَلاح الأبناء خلقا ودينا فإن الله سبحانه وتعالى سيجعل لهما من خلافهما مخرجا.

مع التنبيه – أخيراً – إلى أن الله تعالى جعل في المرأة ما لم يجعل في الرجل، فالعاطفة والحنان عند المرأة أكثر منه عند الرجل، ورجاحة العقل وقوة الإرادة والإدارة عند الرجل أكثر منه عند المرأة، فيراعى هذا الجانب في الخلاف بين الزوجين، ولعلَّ الأمر لو أوكل للزوج أن يكون فيه نفع بالغ، إن كان الزوج متصفاً بالدين والعقل.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>