للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طبع لصديقه بحثاً فيه مخالفات للشرع لئلا ينفر منه

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا أعمل في مجال كتابة الأبحاث العلمية، وقد أحضر لي صديق مسلم بحثاً مكتوباً له؛ لأقوم بكتابته على الحاسب، ثم طباعته، هذا البحث يتحدث عن أعمال أحد الأدباء النصارى، فلم يكن البحث يخلو في محتواه مما يخص عقائد النصارى، ونظرتهم إلى الله، والآلهة، وما إلى ذلك، وقد توسل لي أن أكتبه له بشدة، بسبب ضيق الوقت المقرر لتسليم البحث، فقبلتُ رغبة مني في أن أجعله يتقرب إليَّ أكثر، وأن أدعوه إلى الله، فهو شخص غير ملتزم، ولكنه ينظر إليَّ باعتباري مثالاً للشخص المسلم، فأنا أدعوه على فترات متباعدة، دون أن يشعر عن طريق ما أفعله أمامه، أو الطريقة التي أعامل بها من حولي؛ لأنه سريع النفور من الدعوة، ولو لم أكن قبلتُ بحثه: لقطع علاقته بي، فهل أنا على صواب؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

إذا كان صاحبك قد علَّق على ما في بحثه هذا مما يخالف عقائد الإسلام، وبيَّن بطلانها فلا حرج من كتابة هذا البحث ونشره، لأنك بيَّنت أن هذا باطل.

وأما إذا كان البحث مجرد حكاية لما يقوله ذلك الأديب النصراني من غير بيان لما في كلامه من باطل، - وهذا هو الظاهر من سؤالك – فلا يجوز كتابة هذا البحث ولا نشره ولا مساعدته على ذلك.

وكيف يليق بمسلم أن يكتب بيده كلاماً فيه سب الله تعالى وتنقصه؟!

وأقل درجات إنكار المنكر: أن ينكر المسلم بقلبه، وذلك يتضمن كراهة لذلك المنكر وابتعاده عنه وعدم إقراره، وأما اعتذارك عن هذا بأنك أردت تأليف قلبه واستمرار دعوته، فهو اعتذار لا يبيح للمسلم كتابة أعظم المنكرات بيده، وهو الشرك، وقد نهى الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم عن أقل مما فعلت، وكان مقصده من ورائه ما هو أعظم مما قصدت، قال الله تعالى: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنعام/ ٥٢.

قال القرطبي رحمه الله:

" قوله تعالى: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الآية، قال المشركون: ولا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء - يعنون سلمان، وصهيباً، وبلالاً، وخبَّاباً - فاطردهم عنك، وطلبوا أن يكتب لهم بذلك، فهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ودعا عليّاً ليكتب؛ فقام الفقراء، وجلسوا ناحية؛ فأنزل الله الآية، ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح: (فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع) .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعاً في إسلامهم، وإسلام قومهم، ورأى أن ذلك لا يفوت أصحابه شيئاً، ولا ينقص لهم قدراً، فمال إليه، فأنزل الله الآية، فنهاه عما همَّ به من الطرد، لا أنه أوقع الطرد " انتهى.

" تفسير القرطبي " (٦ / ٤٣١) .

وقد عاتب الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم على فعلٍ أقلَّ من فعلك اجتهد فيه لتحصيل مصلحة عظيمة من أجل إسلام بعض رؤساء الجاهلية، فقال تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَن جَاءهُ الأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلَاّ يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلَاّ) عبس/ ١ – ١١.

قال ابن كثير رحمه الله:

" ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً يخاطب بعض عظماء قريش، وقد طمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه، ويناجيه: إذ أقبل ابن أم مكتوم -وكان ممن أسلم قديماً - فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، ويلح عليه، وودَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كفَّ ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل؛ طمعاً، ورغبةً في هدايته، وعبس في وجه ابن أم مكتوم، وأعرض عنه، وأقبل على الآخر، فأنزل الله عز وجل: (عبس وتولى. أن جاءه الأعمى..) " انتهى.

" تفسير ابن كثير " (٨ / ٣١٩) .

والذي كان ينبغي لك فعله أن تصدق معه، فتخبره بحكم فعلك لو وافقتَه في طباعة ذلك البحث، وحكم فعله هو في كتابته أصلاً، وبذا يحصل النفع التام، لك، فتسلم أنت من الإثم، وله، فلعله يعيد النظر فيما كتب، ويحذف ما فيه مخالفة للشرع.

ويكون ذلك برفق ولين حتى لا ينفر صاحبك، وتتمكن من الاستمرار من دعوته.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>