أوقات النهي عن الصلاة لا تشمل الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[وفقاً لكثير من الأحاديث فإن التهيؤ للصلاة والاستعداد لها هو بمنزلة الصلاة. هل هذا يعني أنه لا يجوز الوضوء أثناء شروق الشمس أو غروبها (الساعة ١٢صباحاً/١٢مساءً) ؟ أم أنه جائز؟ وإذا كان الإنسان يصلي صلاة فريضة طويلة وحان موعد الغروب أو الشروق فهل يقطع الصلاة أم يكملها؟
أيضاً: إذا كنا نصلي صلاة تراويح طويلة ولم ننته منها إلا بعد الساعة ١٢ مساءً، فهل يجب أن نتوضأ مرة أخرى بعد ١٢ ليلاً أم أن هذا لا يؤثر حيث أنها هي نفس الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثبت في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من حديث عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ أنه قال: (ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ) (صلاة المسافرين وقصرها/١٣٧٣)
فالمنهي عنه في هذا الحديث هو الصلاة ودفن الميت، ولا يعتبر الوضوء له حكم الصلاة مطلقاً لأن الصلاة هي: التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
وهذه هي المقصودة بالنهي عنها في الحديث، وليس الوضوء، وقياس الوضوء على الصلاة في النهي قياس مع الفارق، فلا يصح، فلو تكلم الإنسان في أثناء وضوئه لم يكن وضوؤه باطلاً، بينما الكلام يبطل الصلاة، وغير ذلك من الفروق بين الصلاة الوضوء، والمقصود أنه لا يصح قياس الوضوء على الصلاة في النهي في هذه الأوقات، بل إن الإنسان يستحب له أن يكون على طهارة.
ثانياً:
لا تقطع صلاة الفريضة إذا كان يصليها وقرب شروق الشمس أو غروبها؛ وذلك أن إدراك الصلاة في وقتها يكون بإدراك ركعة منها في الوقت، فإذا كان يصلي الفجر - مثلاً - فأطال في الأولى، ثم دخل في الثانية وأطالها وطلعت عليه الشمس فحينها يقال لا بأس في فعله، ويكون قد أدَّى الصلاة في وقتها.
فإن طلعت عليه الشمس ولمَّا ينته من الركعة الأولى فيكون قد صلاها في غير وقتها وهو آثم على تطويله، ومثله يقال في العصر وفي باقي الصلوات.
ثالثاً:
إذا كان الإنسان على وضوئه، ولم ينتقض بأحد النواقض: فحينها لا يجب عليه إعادة الوضوء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الصلوات الخمس يوم فتح مكة بوضوء واحد.
عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الصلوات يوم الفتح بوضوءٍ واحدٍ ومسح على خفَّيه فقال له عمر: لقد صنعتَ اليوم شيئاً لم تكن تصنعْه، قال: عمداً صنعتُه يا عمر. رواه مسلم (٢٧٧) .
قال النووي:
في هذا الحديث أنواع من العلم منها: جواز المسح على الخف، وجواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث، وهذا جائز بإجماع من يعتد به.
وحكى أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن بن بطال في " شرح صحيح البخاري " عن طائفة من العلماء أنهم قالوا: يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان متطهرا، واحتجوا بقول الله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم. . .} الآية!
وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة.
ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة ومنها هذا الحديث.
وحديث أنس في صحيح البخاري: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يحدث ".
وحديث سويد بن النعمان في صحيح البخاري أيضا: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثم أكل سويقا، ثم صلى المغرب ولم يتوضأ ".
وفي معناه أحاديث كثيرة، كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة، وسائر الأسفار، والجمع بين الصلوات الفائتات يوم الخندق وغير ذلك.
وأما الآية الكريمة فالمراد بها - والله أعلم - إذا قمتم محدِثين، وقيل: إنها منسوخة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول ضعيف. والله أعلم.
وأما قول عمر رضي الله عنه: صنعتَ اليوم شيئا لم تكن تصنعه؟ ففيه تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل، وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانا للجواز كما قال صلى الله عليه وسلم: " عمدا صنعته يا عمر ".
" شرح مسلم " (٣ / ١٧٧، ١٧٨) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد