خطأ في الاتجاه إلى القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبرني بعض الجيران أن القبلة التي أصلي باتجاهها خطأ وغير موازية للقبلة في المسجد المجاور، وبناء على هذا غيرت اتجاهي لمدة شهور، منها رمضان الماضي، ثم اكتشفت مرة أخرى أن القبلة الأولى هي الصحيحة. فما حكم الصلوات المؤداة في اتجاه القبلة الخاطئ؟ أرجو الإجابة لأني حائرة، ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، والواجب على كل مصل أن يتحرى جهة القبلة في صلاته، وأن يجتهد في ضبطها لصلاته، إما عن طريق العلامات أو الآلات الدالة عليها، إن كان يمكنه ذلك، أو عن طريق خبر الثقات من أهل المكان، الذين لهم معرفة بجهة القبلة.
والغالب على الحال التي ذكرتيها أن يكون الانحراف عن جهة القبلة يسيرا، وهذا الانحراف اليسير هو الذي يمكن أن يحدث فيه ذلك التردد والاضطراب من أهل المكان عادةً؛ بحيث لا ينتبه الإنسان إلى ذلك الفرق بين الجهتين؛ فإن كان الأمر كذلك، يعني أن الانحراف عن القبلة كان يسيرا، فإن هذا لا يضر ولا تبطل به الصلاة؛ لأن الواجب على من كان بعيدا عن الكعبة أن يتجه إلى جهتها، ولا يشترط في حقه أن يكون اتجاهه إلى عين الكعبة، لما رواه الترمذي (٣٤٢) وابن ماجة (١٠١١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) [صححه الألباني في الإرواء] .
قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام [١/٢٦٠] : (والحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة، لا العين في حق من تعذرت عليه العين) .
ومن الأدلة على ذلك أيضا، ما رواه البخاري (١٤٤) ومسلم (٢٦٤) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلا غَائِطٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في شرح العمدة: (هذا بيان لأن ما سوى التشريق والتغريب استقبال للقبلة أو استدبار لها، وهذا خطاب لأهل المدينة ومن كان على سمتهم ... لأن ذلك اجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ قال عمر: ما بين المشرق والمغرب قبلة كله إلا عند البيت ... وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال: كيف يخطئ الرجل الصلاة وما بين المشرق والمغرب قبلة، ما لم يتحر المشرق عمدا)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وبهذا نعرف أن الأمر واسع، فلو رأينا شخصا يصلي منحرفا يسيرا عن مسامتة [أي: محاذاة] القبلة، فإن ذلك لا يضر، لأنه متجه إلى الجهة، وهذا فرضه) [الشرح الممتع ٢/٢٧٣] .
وأما إن كان الانحراف عن جهة الكعبة كثيرا؛ بحيث تكون صلاتك إلى غير الجهة التي فيها القبلة، إما شرقا، والقبلة غرب أو شمال، مثلا، فما دام الإنسان قد بنى عمله على قول من يعلم اهتمامهم بأمر الصلاة، وتعظيمهم لقدرها، وكان في ظنه أنهم أدرى منه باتجاه القبلة، فلا شيء عليه، وصلاته التي صلاها صحيحة، حتى ولو كان مخطئا في اتجاهه الذي صلى إليه؛ لأن الإنسان إذا اجتهد وتحرى، فقد فعل ما يجب عليه، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /١٦.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة [٦/٣١٤] : (إذا اجتهد المصلي في تحري القبلة وصلى، ثم تبين أن تحريه كان خطأ، فصلاته صحيحة) .
وفي فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله [١٠/٤٢١] : (إذا اجتهد المؤمن في تحري القبلة، حال كونه في الصحراء، أو في البلاد التي تشتبه فيها القبلة، ثم صلى باجتهاده، وبعد ذلك ظهر أنه صلى إلى غير القبلة، فإنه يعمل باجتهاده الأخير، إذا ظهر له أنه أصح من اجتهاده الأول، وصلاته الأولى صحيحة؛ لأنه أداها عن اجتهاد وتحرٍ للحق) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب