جواز التكني بـ أبي الطيب فهو ليس من أسماء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التسمية باسم (أبو الطيب) ، هل تجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف أهل العلم في عدِّ " الطيب " مِن أسماء الله تعالى، فذكره ابن منده، وابن العربي، والشيخ ابن عثيمين، في تعدادهم لأسماء الله عز وجل، ولم يذكره الأكثرون من العلماء: كسفيان بن عيينة، والخطابي، والحليمي، والبيهقي، وابن حزم، والقرطبي، وابن القيم، وابن حجر، والسعدي، وغيرهم ممن جمعوا أسماء الله الحسنى.
انظر "معتقد أهل السنة في أسماء الله الحسنى" محمد بن خليفة التميمي (ص/١٥٧) .
والصواب مع هؤلاء الجمهور إن شاء الله تعالى، إذ لا دليل على اعتبار " الطَّيِّب " من الأسماء الحسنى، وأما الحديث الذي استدل به الفريق الأول، وهو ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (١٠١٥) .
فالجواب أن هذا الحديث ليس فيه إثبات " الطَّيِّبِ " من أسماء الله تعالى، بل فيه إثباته من الصفات، وفرقٌ بين الأمرين يدل عليه السياق؛ فالحديث مسوق أصلا لمقصد آخر، وهو الحث على أكل الحلال واجتناب الحرام، فبدأ بإثبات وصف الطيب له سبحانه للتقديم بين يدي ما يحبه الله وما يرضاه ويحله، وسياقه لفظ " طيب " من غير أل التعريف قرينة على ذلك، فأسماء الله تعالى غالبا ما تساق معرفة للدلالة على الاستغراق، وأما قوله " إن الله طيب " فالمقصود وصف الله تعالى بالطيب، وليس تسميته به، فالتسمية قدر زائد على الوصف المجرد، وباب الصفات والأخبار أوسع من باب الأسماء.
ثانيا:
وعلى فرض كون " الطيب " من أسماء الله تعالى، فهو ليس من الأسماء المختصة التي لا تنصرف إلا إليه عز وجل، إذ الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يجوز التسمي بأسماء الله التي لا تختص به، مثل: علي، حكيم، رشيد، فقد كان من مشاهير الصحابة من يتسمى بهذه الأسماء، والممنوع فقط هو الأسماء المختصة بالرب عز وجل، مثل: الله، الرحمن.
جاء في حاشية كتاب "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (٤/٢٤٣) من كتب الشافعية:
" جواز التسمية بأسماء الله تعالى التي لا تختص به، أما المختص به فيحرم، وبذلك صرح النووي في شرح مسلم " انتهى.
وقرر بعض فقهاء الحنفية ذلك بقولهم:
" التسمية باسم الله يوجد في كتاب الله تعالى: كالعلي والكبير والرشيد والبديع جائز؛ لأنه من الأسماء المشتركة، ويراد به في حق العباد غير ما يراد به في حق الله تعالى " انتهى.
انظر: "بريقة محمودية" (٣/٢٣٤) نقلا عن التتارخانية.
وهو المفهوم من كلام ابن القيم في "تحفة المودود" (ص/١٢٥) :
" ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالى، فلا يجوز التسمية بالأحد، والصمد، ولا بالخالق، ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى، ولا تجوز تسمية الملوك بالقاهر، والظاهر، كما لا يجوز تسميتهم بالجبار، والمتكبر، والأول، والآخر، والباطن، وعلام الغيوب " انتهى.
وقد سبق تقريره في جواب السؤال رقم (١١٤٣٠٩) (١٦٩٢) .
فالحاصل مما سبق هو جواز التسمي والتلقب بـ " الطيب "، وجواز التكني بـ " أبي الطيب "؛ إذ لا محذور في ذلك، وفي علماء المسلمين وفقهائهم وحفاظهم عشرات ممن تسموا أو تكنوا بهذه الكنية الطيبة، من غير نكير من أحد عليهم على حد بحثنا وعلمنا، منهم فقيه الشافعية بخراسان الإمام أبو الطيب الصعلوكي (٤٠٤هـ) شيخ الحاكم والبيهقي، ومنهم شيخ الإسلام القاضي أبو الطيب الطبري (٤٥٠هـ) شيخ الخطيب البغدادي، وغيرهم كثير.
فمن يدعي تحريم هذه الكنية فعليه الدليل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب