شكوى مدرِّسة من عدم استجابة الطلاب لدعوتها ونصحها لهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أتأسف لطول سؤالي ولكن الأمر جد خطير، أرجو أن تصبروا عليَّ، إنني أعمل مدرِّسة في مَدرَسة ابتدائية إسلامية , وهي مقامة داخل مسجد , وأقوم بتعليم أطفال ما بين ١٠ - ١٢ عاماً، وسؤالي هو: أنهم عندما أقوم بتعليمهم الأحاديث، والتربية، ودروس السيرة: فإنهم يكونون سعداء جدّاً بالاستماع إليها , ولكنني لا أجد النتيجة المأمولة منهم، على سبيل المثال: لا أجدهم يطبقونها، مع العلم أنهم يعرفون أنه لا يجب عليهم أن يشربوا واقفين، ويعرفون الحديث الذي يتحدث عن الشرب واقفاً ومع ذلك مصرين على ما يفعلون، إلا إذا أخبرتهم وذكرتهم بالحديث. إنني أريد أن أقوِّي من إيمانهم , وأن يطبقوا ما أعلِّمهم إياه , ولكنني لا أعرف ما أفعل أكثر من ذلك , وأظن أنني قد أهملت بعض المواضيع الحيوية، لذلك فإنهم يجدون صعوبة في التطبيق، وفي بعض الأحيان أرى أنه تقصير مني , وإنني أريد منهم أن يحبون الدين كما أحبه، كما أنني آخذ في الاعتبار أن بعض الأطفال من مدارس عامة، والبيئة الإسلامية جديدة عليهم. فما هي أفضل المواضيع التي أبدأ بتعليمها للأطفال خطوة بخطوة في هذا العمر، فيخافون الله، ويحبون العمل لأجله؟ وكيف يمكنني أن أجمِّل الدين لهم وأن أشرح جماله لهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سؤالكِ هذا دليل على حسن قيامك بواجب المسؤولية في عملك كمدرِّسة، وموجهة، وداعية , فنسأل الله سبحانه أن يبارك فيك، وفي همتك، وجهدك.
فالمدرِّس في مدرسته مؤتمن، ومسؤول على ما اؤتمن عليه , من نصح الطلاب، وتوجيههم , والأخذ بأيديهم لما فيه خيرهم، ونفعهم , وفي الحديث عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (٨٥٣) ومسلم (١٨٢٩) .
ولو أن المدرِّسين والمدرِّسات حملوا همكِ وهمتكِ , وهذه الرغبة الصالحة: لنشأ - بإذن الله - جيل صالح , وبذرة طيبة.
ثانياً:
على المسلم أن يقوم بالتعليم والنصح والإرشاد وهو غير مسؤول عن النتيجة، وعن عدم استجابة الناس له، قال الله تعالى: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ) المائدة/ ٩٩.
ونجاح الدعوة ليس بالكثرة، والعدد , ففي الحديث عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِي لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ) رواه البخاري (٥٣٧٨) ومسلم (٢٢٠) .
ولا يعني عدم التطبيق المباشر للمدعوِّين فشل الدعوة، أو انتكاسها , فربَّ كلمة، أو نصيحة، أو موعظة أثَّرت بعد حين.
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ) رواه أحمد (٢٨/١٥٥) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٣) .
وهو صلى الله عليه وسلم لم يشهد ذلك في حياته.
فليس من لازم نجاح الدعوة أن يلمس الإنسان آثارها مباشرة.
أما السبيل الذي ننصح أن يسلكه المعلِّم في نصحه وتوجيهه لطلابه: فكما يلي:
أ. لا بد من التواصل البيتي المدْرسي، فإذا كانت المدرسة تبني والبيت يهدم أو العكس: فلن نحصل على الثمرة المرجوة , فلا بد من التواصل مع أولياء أمور الطلاب , فمثلاً إذا حثَّ المعلم على المحافظة على الصلاة: فلا بد من متابعة الأهل للأولاد، وتذكيرهم بموعد الصلاة.
ولو حث المعلمُ الطفلَ - مثلاً - على آداب الطعام من التسمية، والأكل باليمين: فلا بد من متابعة الأهل لهذا الأمر، وهكذا في باقي الآداب، والأحكام.
ب. التركيز على التربية الإيمانية , وتقوية الوازع الإيماني في نفس الطف.
وانظري جواب السؤال رقم: (٢٢٩٥٠) .
ج. التربية بالقصة , وتربية الأولاد على حب الأنبياء، والصالحين من الصحابة، والتابعين، والاقتداء بهم فهذا الأسلوب من أعظم مواطن التأثير في الطلاب.
وانظري جواب السؤال رقم: (٢٢٤٩٦) .
د. التربية بالقدوة , فظهور المعلم – والمعلمة - أمام الطلبة – والطالبات - بمظهر الصدق، والأمانة، وحسن المنطق , وحسن الخُلق: له أكبر الأثر الإيجابي في نفوسهم , فكيف يقبل طالب من معلِّم حثه له على الصدق , والوفاء بالوعد: وهو يكذب في حديثه، أو يعدهم، ولا يوفي؟!.
هـ. التربية بالتطبيق العملي، فأداء الصلاة أمامهم , والتوضؤ أمامهم: من شأن ذلك أن يطبع في أذهانهم تلك العبادة بهيئاتها.
وأما أول ما يبدأ به المعلم في غرسه في نفوس الطلبة:
أ. أركان الإيمان: من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدَر، خيره وشرِّه؛ وتسهيل الأمر إلى مستواهم، مع ضرب المثال، والتكرار.
ب. الأحكام المتعلقة بأهم العبادات، كالصلاة، ومعها الوضوء، وكذا آداب الطهارة، والحث على النظافة.
ج. الآداب العامة: من الكلمة الطيبة واجتناب الألفاظ السيئة، وحب الوالدين , واحترام الكبير، والإحسان إلى الصديق، إلى غير ذلك.
د. التحذير من الأمور السيئة، كالسب والشتم والكذب؛ والاعتداء على الآخرين ... إلخ.
وأهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المربي: الصبر، والمتابعة، وعدم اليأس.
ونسأل الله أن يعينك ويوفقك وأن يجزيك على همتك وجهدك خير الجزاء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب