للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خطر الإعجاب بين الجنسين، وعلاجه، وكيفية تصرف المعجَب فيه

[السُّؤَالُ]

ـ[عندما يُعجب شخص في شخصيتك، وينجذب لها، ثم يتعدى الحد المعقول (مثل الإعجاب بين الفتيات) في هذه الحالة ماذا علينا أن نعمل؟ وما هي الأساليب لعلاج هذا الشخص بدون ضرر لك وله؟ علما أن الإنسان لا يأمن نفسه من الفتنه، وبماذا تنصحون هذا الشخص المصاب بهذه الحالة (من ناحية الدين والدنيا) ؟ . أثابكم الله الموضوع جدّاً مهم، رزقكم الله الفردوس الأعلى]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

إن الميل الفطري الطبيعي هو ميل الرجل للمرأة، وميل المرأة للرجل، وأما ميل الشخص لواحد من بني جنسه فهو مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها، ولا تجده حتى عند البهائم، فهو ـ بالإضافة إلى انتكاس فطرته ـ متردٍّ إلى ما هو أسوأ حالا من البهيمية.

وقد هذَّب الإسلام الميل الفطري وجعل له نهاية شرعية وهي الزواج، ومن لم يرض هذه النهاية الشرعية فإنه يكون مختاراً لفاحشة الزنا، وأما العلاقة المنحرفة من ميل الفتاة لمثيلتها، والرجل للرجل: فهو شذوذ، وانحراف عن الفطرة السليمة الصحيحة، وتنتهي تلك العلاقات الآثمة بما هو أقبح من الزنا وهو اللواط بين الذكور، وتنتهي علاقات النساء غير السوية بالسحاق، وهو من المحرمات أيضاً.

وتبدأ العلاقة الآثمة بين أفراد الجنسين بما يسمَّى " الإعجاب "، وهو مرض خطير تفشى في المجتمعات؛ نتيجة للفراغ الإيماني، والعلمي، ونتيجة لتقليد المجتمعات الكافرة المنتكسة في فطرتها، ويتطور هذا الإعجاب حتى يصير " عشقاً " لا تستطيع الفتاة التخلي عن رؤية عشيقتها، وإن لم تتمكن فتسمع صوتها، أو ترى صورتها، ثم تنتهي تلك العلاقة الآثمة بالسحاق المحرَّم، ولا ترى تلك الشاذات في الرجل ما تراه في تلك العشيقة من إطفاء الشهوة، وملء القلب بعاطفة الحب، وقل الأمر ذاته في العلاقات الآثمة بين الذكور، فالعشق بينهما يصل لشغاف القلب، حتى لا يرى في الدنيا غيرَه، ولو طلب المعشوق من عاشقه السجود له لفعل! نسأل الله الستر والسلامة. وتنتهي تلك العلاقة الآثمة بالفاحشة الشنيعة وهي اللواط، ولا يُرى في أولئك الشاذين ميلٌ لامرأة، ولو كانت من أجمل النساء.

سئل علماء اللجنة الدائمة:

ما حكم المساحقة والاستمناء؟ .

فأجابوا:

المساحقة بين النساء حرام، بل كبيرة من كبائر الذنوب لكونها عملا يخالف قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون/ ٥ – ٧.

وكذا الاستمناء محرم؛ لهذه الآية الكريمة؛ ولما فيه من الضرر العظيم.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢٢ / ٦٨) .

ثانياً:

مَن علم من نفسه أنه يوجد من هو معجب فيه من المقربين منه أن يبادر لعلاجه بالحكمة، ولا نعني بالحكمة التساهل معه في النظر والزيارة والملامسة، فهذا مما يزيد في مرضه، وبالتالي يزيد في ألمه، بل الحكمة تعني تقديم العلاج المناسب بالطريقة المناسبة، ومن ذلك:

١. تقوية جانب الإيمان فيه، من خلال حثه على الطاعات، واجتناب المنكرات.

٢. غرس حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في قلبه.

٣. تعليمه معاني الحب في الله، وأن ميزانه هو إيمان المحبوب بربه وفعله للطاعات، لا لهيئته، ولا لصورته، ولا لجاهه.

٤. عدم فسح المجال له بالاتصال المتكرر، ولا بالزيارة المستمرة، والتبيين له بأن العلاقة شرعية فإذا تعدت حدودها حرمت، ووجب قطعها.

٥. عدم تمكينه عند اللقاء من مداومة النظر، أو العناق، أو التقبيل.

٦. تكليفه بمهام علمية ودعوية، كتجميع أدلة مسألة، أو تلخيص كتاب،أو سماع أشرطة، وكذا القيام بأعمال دعوية كدعوة الناس، وتوزيع كتيبات وأشرطة، وغير ذلك مما فيه إشغال وقته بما يفيده من الطاعات والمباحات.

ثالثاً:

والمسلم إذا رأى من نفسه إعجاباً بغيره، وخشي أن يكون هذا من خطوات الشيطان: فليسارع للتخلص منه، وليبادر لعلاج نفسه، قبل أن يستفحل أمره ويصل للعشق المحرم، وإذا أراد التخلص من ذلك فعليه بفعل أمور، منها:

١. أن يعلق قلبه بربه تعالى، فهو المنعم والمتفضل عليه بالنعم الجليلة، فليوجه حبَّ قلبه للخالق عز وجل.

٢. أن يقطع صلته بكل من يرى نفسه قد تعلق به، فلا يداوم على سماع صوته، ولا رؤية صورته، وليحرص على عدم لقائه، ولو كان المحبوب معلِّماً أو مربيّاً أو رحماً، وهذا من خير ما يعالج به نفسه ويداويها به.

٣. أن يداوم النظر في سير الصالحين والعلماء والمجاهدين، ليعلم موقعه من أولئك الذين قدَّموا أوقاتهم وأنفسهم في سبيل عز الإسلام والمسلمين، وهو منشغل بنظر في صورة محبوبه، أو التلذذ بسماع صوته، أو التمايل بقراءة كلماته، وهذا مما لا يليق بالمسلمين فعله ولو لمرة واحدة، فكيف أن تكون تلك هي حياته!

٤. وينبغي له كذلك أن يقف على الآثار الخطيرة والعظيمة لهذين المرضين المهلكين وهما الإعجاب المرَّم، والعشق المتلف، ومن هذه الأضرار:

١. انصراف الإنسان عن ربه وخالقه إلى مخلوق ضعيف يضره ولا ينفعه.

٢. جلب الهم، والغم، والحُزن، والولَه، والكآبة في الدنيا، والعذاب في الآخرة.

٣. ومن الأضرار: تخيل صور من الحرام مع محبوبه ومعشوقه، كالنظر، واللمس، والتقبيل بشهوة، وربما يوصل ذلك المرأة إلى السحاق، والرجل إلى اللواط لتحقيق تلك الصور من عالم الخيال في عالم الوجود.

٤. ومن الأضرار: تلوث الفطرة السليمة بضعف الرغبة الجنسية الطبيعية، مما يؤدي هذا إلى فشل المرأة في علاقتها مع زوجها، ورغبتها لما اعتادته من الحرام، وكذا بالنسبة للرجل.

رابعاً:

العلاقة بين المسلمين يجب أن يكون مبناها على الشرع، وتأسيسها على التقوى، ومن التقى بغيره في الدنيا على معصية: انقلبت علاقتهما يوم القيامة إلى عداوة.

قال الله عز وجل: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) الزخرف/ ٦٧.

قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله -:

يقول تعالى ذكره: المتخالون يوم القيامة على معاصي الله في الدنيا، بعضهم لبعض عدوّ، يتبرأ بعضهم من بعض، إلا الذين كانوا تخالّوا فيها على تقوى الله.

" تفسير الطبري " (٢١ / ٦٣٧) .

وقال ابن كثير – رحمه الله –:

أي: كل صداقة وصحابة لغير الله: فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة، إلا ما كان لله عز وجل، فإنه دائم بدوامه.

" تفسير ابن كثير " (٧ / ٢٣٧) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:

فالمُخَالّة - أي: الصداقة والمحبة - إذا كانت على غير مصلحة الاثنين: كانت عاقبتها عداوة، وإنما تكون على مصلحتهما: إذا كانت في ذات الله، فكلٌّ منهما وإن بذل للآخر إعانة على ما يطلبه، واستعان به بإذنه فيما يطلبه: فهذا التراضي لا اعتبار به، بل يعود تباغضاً، وتعادياً، وتلاعناً، وكل منهما يقول للآخر: لولا أنت ما فعلت أنا وحدي هذا، فَهَلاكِي كان مني ومنك.

والرب لا يمنعهما من التباغض والتعادي والتلاعن، فلو كان أحدهما ظالماً للآخر فيه: لنُهيَ عن ذلك، ويقول كل منهما للآخر: أنت لأجل غرضك أوقعتني في هذا، كالزانيين كل منهما يقول للآخر: لأجل غرضك فعلتَ معي هذا، ولو امتنعتَ لم أفعل أنا هذا، لكن كل منهما له على الآخر مثل ما للآخر عليه، فتعادلا.

" مجموع الفتاوى " (١٥ / ١٢٩) .

وباب التوبة مفتوح لمن أراد ولوجه، والنعيم بالإيمان والطاعة موجود لمن رغب بالدخول في ناديه، والله تعالى يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويبدل السيئات حسنات، قال تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/ ٧٠، وقال سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/ ٨٢.

وللمزيد من الفائدة: تنظر: أجوبة الأسئلة: (١٠٠٥٠) وفيه بيان لماذا حرَّم الإسلام السحاق واللواط، و (٢١٠٥٨) وفيه بيان: عقوبة السحاق، و (٦٠٣٥١) و (٣٦٨٣٧) وفيهما التعليق على ظاهرة التقبيل اليومي والتقبيل على الفم بين طالبات المدارس، و (٥٩١) وفيه بيان حكم حب المرأة للمرأة لدرجة عدم القدرة على الفراق.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>