يعتقد أن أمه سحرت له ووقعت بينه وبينها خصومة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعتقد أن أمي تسحر لي، لأسباب أو لأخرى، وهذا الأمر له نتائج في الواقع، وهي أنني أصاب بالسحر بين الوقت والآخر، وأتعالج عند الطبيب النفساني، لكن دون فائدة.
المشكلة أنني أعتقد أن أمي لن تتورع عن الإقدام على هذا العمل مرة أخرى، ولا داعي بأن أخبرك بما أقاسيه من الشدائد جراء هذا السحر، ناهيك عن القعود عن العمل والكسب، أنا أعتقد أن أمي مجنونة! لذلك فإنني لا أكلمها، مع ذلك فهي تود مني أن أترك البيت، وقالت لي: إذا كنت لا ترغب في الكلام معي: فاخرج من البيت، هذا كلام مجانين، لسبب أنه ليس عندي مكان أذهب إليه، لهذا أجبتها قائلاً: إنني مريض، ولن أخرج من البيت، فما كان منها إلا أن ذهبت عند خالتي ثم رجعت في اليوم التالي، حتى الآن أنا لا أكلمها، لكنها تتكلم معي كلمات بسيطة مثل " اقفل الباب "، أو ما أشبه ذلك، وأنا أبادر للقيام بما أمرتني به؛ لأنني في الواقع لا أحقد عليها، أو أسعى في معاندتها - كما تقول هي -، ولكن لأسباب خارجة عن إرادتي.
أرجو توضيح هذا الأمر، ووصف العلاج الناجح.
بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم – أولاً – أن الله تعالى قد أمرك ببر والدتك، وبالإحسان إليها بالقول والفعل، وأنه – تعالى – قد نهاك عن الإساءة إليها ولو بقول " أف ".
قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) الإسراء/٢٣.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ.
رواه البخاري (٥٦٢٦) ومسلم (٢٥٤٨) .
ولذلك: فإنه يجب عليك ترك إيذائها، وقولك عنها " مجنونة " لا يليق بك، فأحسن إليها، وتودد لها، ولا تخالف أوامرها فيما لا معصية فيه؛ ولا يحل لك هجرها، ومقاطعتها، وإن فعلت هي ذلك فابذل جهدك لمصالحتها بحسن الكلام وجميل الأفعال.
واعلم – ثانياً – أنه لا يجوز لك اتهام إنسانٍ بعينه أنه سحر لك، فكيف أن يكون المتهم عندك هو أمك؟! وأنت بذلك تكون قد اتهمتها بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب قد تصل لحد الكفر، فلا يحل لك هذا لو كان المتهم أجنبيّاً فكيف وأنت تنسب ذلك الفعل القبيح لأمك من غير بيِّنة ولا برهان؟! وعاقبة ظلم الآخرين وخيمة، فكيف بمن كان ظالماً لأمه؟! .
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/٥٨.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي: ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه، لم يعملوه، ولم يفعلوه.
(فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) : وهذا هو البهت البيِّن، أن يحكى، أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقص لهم.
" تفسير ابن كثير " (٦ / ٤٨٠) .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
رواه مسلم (٢٥٧٨) .
قال النووي – رحمه الله -:
قال القاضي: قيل: هو على ظاهره، فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلاً حتى يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم، ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد , وبه فسروا قوله تعالى: (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر) أي: شدائدهما، ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات.
" شرح مسلم " (١٦ / ١٣٤) .
واعلم – ثالثاً – أنك قد لا تكون مسحوراً، وإنما هي أوهام وخيالات، وهي تصيب كثيراً من الناس، ويعتقدونه سحراً، وليس الأمر كذلك، فاحرص على طاعة ربك تعالى بأداء الواجبات، والنوافل، واحرص على برِّك بأمك، وداوم على قراءة القرآن، واحرص على أذكار الصباح والمساء، وهذه الأمور – إن شاء الله – تقيك الشر والسوء، وتعالجك من أمراضك الحسية والمعنوية.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب