للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتحادث مع قريباته من النساء

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز لي أن أكلم أقاربي من البنات مثل أولاد خالتي أو هكذا على النت، وهم ليسوا موجودين في بلدي، بل في بلد آخر، فهل يجوز لي الكلام معهم والسؤال عليهم؟ علماً بأن أهلي وأهلهم يعرفون؛ لأننا لا نتكلم أبدا في خصوصيات.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

جاءت الشريعة بسد أبواب الشر والفتنة لتحفظ على الناس دينهم وتقواهم، ولتَسلَمَ قلوبُهم من أدران الشهوة والمعصية.

ومحادثة النساء باب من أبواب الفتنة، قد يجر إلى ما هو أعظم.

قال ابن الجوزي رحمه الله في "ذم الهوى" (ص/٥٨٢) :

"ومِن التفريط القبيح الذي جر أصعب الجنايات على النفس: محادثةُ النساء الأجانب، والخلوة بهن، وقد كانت عادةً لجماعة من العرب، يَرَون أنَّ ذلك ليس بعار، ويثقون من أنفسهم بالامتناع من الزنا، ويقنعون بالنظر والمحادثة، وتلك الأشياء تعمل في الباطن وهم في غفلة عن ذلك، إلى أن هلكوا، وهذا هو الذي جنى على مجنون ليلى وغيره، ما أخرجهم به إلى الجنون والهلاك، وكان غلطهم من وجهين:

أحدهما: مخالفة الشرع الذي نهى عن النظر والخلوة.

والثاني: تعريض الطبع لما قد جُبل على الميل إليه، ثم معاناة كفه عن ذلك، فالطبع يغلب، فإن غلب وقعت المعاصي، وإن غلب حصل التلف بمنع العطشان عن تناول الماء " انتهى.

ومحادثة النساء الأجنبيات من السهام التي تصيب القلوب بأثرها النفاذ، وما زال العرب يذكرون ذلك في أشعارهم وأمثالهم، حتى شبهه بعضهم بالسكر لما يصيب القلب من تعمية، ورأى فيه آخرون سحرا يُعقَد على القلوب فيُسقِمها بالأدواء والأمراض.

نقل ابن قتيبة في "عيون الأخبار" (ص/٣٩٧) قال:

" قال بشّار – هو ابن برد أحد الشعراء - وذكر امرأة -: " كأن حديثها سكر الشّراب " ... وقال – أيضا -: وكأنّ تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحراً.

وكأن رجع حديثها ... قِطَع الرّياضِ كُسين زَهرا " انتهى.

وأما الحديث مع النساء القريبات فهو أشد خطراً وأعظم شرراً، فإن الشيطان ينصب شباكه فيما يتساهل الناس فيه عادة، والتجارب تثبت أن المعاصي تبدأ هناك.

والشرع لا يمنع من صلة الأقارب، ولا يُحَرِّم السؤالَ عن أحوالهم والاطمئنانَ عليهم، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق والدهن أو أمهن (خالتك) .

أما الحديث معهن، والاستكثار من الكلام، والانتقال بين المواضيع التي لا تنتهي، ثم الاعتذار عن ذلك بكونها من القريبات! وأن الأهل على اطلاع ومراقبة!

فالحق يقال: أننا لا نرى ذلك إلا بابَ معصيةٍ واستدراج يجب عليك سده وإغلاقه، وإن تماديت فأنت المسؤول بين يدي الله تعالى، ولتكن مستعدا لشقاء القلب وفتنته.

نسأل الله لنا ولك السلامة والعافية.

وقد أوصى أكثمُ بن صَيفِي - حكيم العرب في الجاهلية، توفي وهو في طريقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام - فقال:

" يا قوم! أحسنوا يحسن بكم، واسمحوا يسمح لكم، وعفوا تعف نساؤكم، واعلموا أن محادثة النساء شعبة من الزنى " انتهى. "أنساب الأشراف" للبلاذري (٤/٢٢١) .

ودعا عبد الملك بمؤدب أولاده فقال:

"إني قد اخترتك لتأديب ولدي، وجعلتك عيني عليهم وأميني، فاجتهد في تأديبهم ونصيحتي فيما استنصحتك فيه من أمرهم، علِّمهم كتابَ الله عز وجل حتى يحفظوه، وقِفْهم على ما بَيَّن اللهُ فيه من حلال وحرام حتى يعقلوه، وخُذْهم من الأخلاق بأحسنها، ومن الآداب بأجمعها، ورَوِّهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أصدقه، وجَنِّبْهم محادثةَ النساء، ومجالسة الأظناء، ومخالطة السفهاء، وخَوِّفْهم بي، وأدبهم دوني، ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يفهموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، وأنا أسأل الله توفيقك وتسديدك " انتهى.

"أنساب الأشراف" أحمد بن يحيى البلاذري (٢/٤٤١) ونحوه في "البيان والتبيين" للجاحظ (١/٢٤٩) .

وانظر للاستزادة جواب السؤال رقم: (٦٤٥٣) ، (٥٩٨٧٣) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>