رقية لعلاج الثآليل من رجل يزعم أنه على السنَّة، وتفصيل مهم حول الرقى
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد المجالس مع بعض طلبة العلم طرح موضوع حول رقية لشفاء " الثآليل " التي تظهر في الجسم، وقد نقل الأخ الذي طرح الموضوع عن بعض الرقاة أنهم كانوا يفعلون هذه الرقية عند من عُرف متابعته للسنَّة، ومحاربة البدع، مع سكوته عنها، وقد استشكل علينا بعض من ألفاظ، وأفعال هذه الرقية، والتي يقول الراقي فيها: " يا أيها النبوت في الجسم الذي يموت , أسألك بالذي لا يموت " فيقول عند ذلك هو والمرقي: " موت، موت، موت "، ويقوم أحدهم عند ذلك بقص قشة مع الحرص على عدم وقوعها على الأرض، ثم تؤخذ وتدفن. فنسأل فضيلتكم عن هذه الرقية، والحكم الشرعي لها مع مخاطبة الجماد " النبوت "، وقص القشة، فهل هذا مشروع أم محظور؟ . أفتونا، فقد أشكل علينا الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الرقية: هي التعويذ بقراءة القرآن والأدعية النبوية والأذكار، لحفظ الصحة، ودفع المرض.
وهذه هي الرقية الشرعية، وثمة رقية محرَّمة، وهي ما كان فيها استعمال نجاسات، أو تمتمات، أو ألفاظ شركية، أو استغاثة بغير الله، وما كان فيها كلام ليس له معنى.
وينظر جواب السؤال رقم: (١٣٧٩٢) لزيادة التفصيل.
ثانياً:
الرقية الشرعية يمكن استعمالها وقاية، وعلاجاً لجميع الأمراض والأوجاع، وهكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في استعمالها، ومما يدل على ذلك:
١. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ: (أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) .
رواه البخاري (٥٣٥١) ومسلم (٢١٩١) .
٢. عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جُرْحٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا - وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا -: (بِاسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا) .
رواه البخاري (٥٤١٣) ومسلم (٢١٩٤) .
قال الشيخ أبو العباس القرطبي – رحمه الله -:
وقوله: " كان إذا اشتكى الإنسان مِنَّا، أو كانت به قرحة، أو جرح ": يدل على جواز الرُّقى من كل الأمراض، والجراح، والقروح، وأن ذلك كان أمراً فاشياً بينهم، معمولاً به عندهم. " المفهم لما أُشكل من تلخيص كتاب مسلم " (٥ / ٥٧٩) .
وبه يُعلم أن ما ورد في الحديث الذي يحصر الرقية في علاج العين، والحُمة: أنه ليس على ظاهره المراد منه الحصر.
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا رُقْيَةَ إِلَاّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ) .
رواه داود (٣٨٨٦) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
الحُمة: لدغة ذوات السموم، من العقارب، والحيَّات، وغيرهما.
قال الخطابي – رحمه الله -:
وليس في هذا نفي جواز الرقية في غيرهما من الأمراض والأوجاع ... ، وإنما معناه: أنه لا رقية أولى، وأنفع من رقية العيْن، والسم، وهذا كما قيل: " لا فتى إلا علي "، و " لا سيف إلا ذو الفقار "؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رقى بعض أصحابه من وجع كان به، ولما ورد عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء بنت عبد الله قالت: " دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة رضي الله عنها، فقال لي: (ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة) .
" معالم السنن " (٤ / ٢١٥) .
وحديث الشفاء رواه أبو داود (٣٨٨٧) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
و" النَّملة ": قروح تخرج من الجنب.
ثالثاً:
الرقى إن كانت من القرآن، أو السنَّة النبوية الصحيحة، أو الأدعية الشرعية: فلا إشكال في جوازها، وأما غيرها مما يخترع ألفاظه بعض الرقاة، أو يفعلونه: فلا بدَّ من عرضه على أهل العلم ليحكموا عليها بالجواز من عدمه.
ومما يدلُّ على عرض الرقى على أهل العلم، وأن الأمر ليس على إطلاقها في الجواز، بل لا بد من معرفة معناها، والتأكد من خلوها من المخالفات الشرعية، في اللفظ والمعنى:
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ: (اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ) .
رواه مسلم (٥٨٦٢) .
والذي يظهر لنا أن ما نقله الأخ السائل عن ذلك الراقي ليس موافقاً للشرع من جهتين:
الأولى: مخاطبته للثآليل! بأن تموت! بذِكرٍ جماعي من المجموعة التي معه، والتي تردد بسذاجة " موت، موت، موت "! وكأن الثآليل كائنات حيَّة، وتملك موتها.
والثاني: قص تلك القشة، وعدم إيقاعها على الأرض، ثم دفنها! ، وكل ذلك من الخرافات التي لا أصل لها، ولا تعلق – شرعاً ولا طبَّاً – بقص تلك القشة مع موت تلك الثآليل، أو شفاء المريض منها.
وقد أغنانا الله تعالى عن هذه الخرافات لعلاج الثآليل وغيرها بما أباحه لنا من القرآن، والأدعية، والأذكار الشرعية، وبما علمه أهل الطب وأهل الخبرة في علاج ذلك، فينبغي مراجعتهم، بدلا من مراجعة المشعوذين والدجالين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب