أحاديث ضعيفة في عدم قبول عمل المبتدع مطلقا
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت سؤالا في موقعكم حول شخص يقع في البدع، وذكرتم أنه تجوز الصلاة خلف المبتدع الذي لم تصل بدعته إلى حد الشرك، لكني قابلت الحديث التالي في ابن ماجه والدارمي، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما، ولا صلاة، ولا صدقة، ولا حجا، ولا عمرة، ولا جهادا، ولا صرفا، ولا عدلا، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين) فإذا كان هذا الحديث صحيحا فكيف نصلي وراء المبتدع حتى ولو لم يقع في الشرك؟ في الحديث السابق جاءت كلمة: " صاحب بدعة " عامة تشمل كل مبتدع. في المنطقة التي أعيش بها توجد بعض المساجد تقع في البدع، بينما المسجد الذي يسير على السنة بعيد عن بيتي جدًا. فماذا أفعل؟ رجاء بيان الأمر بأدلته من القرآن والسنة. بارك الله فيكم تلقاء هذا العمل العظيم الذي تقومون به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق تقرير حكم الصلاة خلف المبتدع، في جواب السؤال رقم: (٢٠٨٨٥) ، (٢٦١٥٢) ، فلا داعي لإعادته هنا.
ثانيا:
أما الحديث الذي جاء في السؤال، وغيره من الأحاديث المرفوعة الواردة في عدم قبول عمل المبتدع، فهي أحاديث ضعيفة أو منكرة لا تصح، وهذا بيان ذلك:
الحديث الأول: عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا، وَلَا صَلَاةً، وَلَا صَدَقَةً، وَلَا حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً، وَلَا جِهَادًا، وَلَا صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا، يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعَرَةُ مِنْ الْعَجِينِ)
رواه ابن ماجه في "السنن" (رقم/٤٩) قال: حدثنا داود بن سليمان العسكري، حدثنا محمد بن علي أبو هاشم بن أبي خداش الموصلي، حدثنا محمد بن محصن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبد الله بن الديلمي، عن حذيفة به.
قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/١٤٩٣) :
" موضوع، آفته ابن محصن هذا فإنه كذاب كما قال ابن معين وأبو حاتم، وقال الحافظ في " التقريب ": كذبوه " وتساهل البوصيري فيه فقال في " الزوائد " (١/١٠) : " هذا إسناد ضعيف، فيه محمد بن محصن، وقد اتفقوا على ضعفه " ووجه التساهل أن الراوي قد يتفق على ضعفه، وليس بكذاب، وحينئذ فذكر الاتفاق دون ذكر السبب لا يكون معبرا عن واقع الراوي. فتأمل " انتهى.
الحديث الثاني:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ)
رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (٩/٤٣٩) ، وابن ماجه في السنن (رقم/٥٠) ، وأبو الفضل المقرئ في "أحاديث في ذم الكلام وأهله" (٣/١١١) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (رقم/٣٢) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (١٣/١٨٥) ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (١/١٤٤) جميعهم من طريق:
بشر بن منصور الخياط عن أبي زيد، عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عباس به.
قال ابن أبي حاتم –بعد روايته له -: " سئل أبو زرعة عنهما – يعني أبا زيد وأبا المغيرة -: فقال: لا أعرفهما، ولا أعرف بشر بن منصور الذي روى عنه الأشج " انتهى.
وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (١/١٤٥) :
" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه مجاهيل " انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/١٤٩٢) :
" منكر، وهذا إسناد ضعيف، مسلسل بالمجهولين، قال أبو زرعة: " لا أعرف أبا زيد ولا شيخه ولا بشرا " وقال الذهبي في أولهم: " يجهل ". وقال في الآخرين: " لا يدرى من هما " ووافقه البوصيري في " الزوائد " (١/١١) " انتهى.
ثالثا:
ولكن قد يستشكل بعض الناس ما ورد في حديث علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن أحدث حدثا في المدينة: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا) رواه البخاري (٧٣٠٠) ومسلم (١٣٧٠)
وكذلك ما جاء عن جماعة من التابعين: كالحسن البصري أنه قال: " لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما، ولا صلاة، ولا حجة، ولا عمرة، حتى يدعها " انتهى.
رواه الآجري في "الشريعة" (٦٤) ، وأبو شامة في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص/١٦) وغيرهما. وجاء نحوه عن الأوزاعي - كما في "البدع والنهي عنها" لابن وضاح (٢٧) -، وعن الفضيل بن عياض أنه قال: " لا يرفع لصاحب بدعة إلى الله عمل " رواه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (١/١٣٩)
فقد ذكر الشاطبي احتمالين في تفسير مثل هذه الآثار، فقال في "الاعتصام" (١/١٠٨-١١٢) :
" إما أن يراد: أنه لا يقبل له بإطلاق، على أي وجه وقع من وفاق سنة أو خلافها.
وإما أن يراد: أنه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة، دون ما لم يبتدع فيه.
فأما الأول: فيمكن على أحد أوجه ثلاثة:
الأول: أن يكون على ظاهره من أن كل مبتدع أي بدعة كانت فأعماله لا تقبل معها، داخلتها تلك البدعة أم لا، وهذا شديد جدا على أهل الإحداث في الدين.
الثاني: أن تكون بدعته أصلا يتفرع عليه سائر الأعمال: كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق، فإن عامة التكليف مبني عليه.
الوجه الثالث: أن صاحب البدعة في بعض الأمور التعبدية أو غيرها قد يجره اعتقاد بدعته الخاصة إلى التأويل الذي يُصَيِّرُ اعتقاده في الشريعة ضعيفا، وذلك يبطل عليه جميع عمله.
وأما الثاني: وهو أن يراد بعدم القبول لأعمالهم ما ابتدعوا فيه خاصة، فيظهر أيضا، وعليه يدل حديث: (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) " انتهى باختصار.
ولكن التحقيق في هذه المسألة ما ذكره الدكتور إبراهيم الرحيلي في كتابه "موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع" (١/٢٩٢-٢٩٣) حيث قال:
" ما دلت عليه ظواهر النصوص وكلام السلف من أن صاحب البدعة لا يقبل الله له عملا، يمكن حمله على الأوجه التالية:
الوجه الأول: أن الكلام على ظاهره، وأن المراد رد عمل المبتدعِ كلِّه، ما ابتدع فيه وما لم يبتدع فيه، وهذا في حق المبتدع الكافر لا غير.
الوجه الثاني: أن المراد رد العمل المبتدَع خاصة، سواء كان ابتداعا محضا، أو كان شرعيا دخل عليه الابتداع فأفسده.
الوجه الثالث: إحباط البدع أجر العمل على سبيل الجزاء، حتى كأنه لم يقبل.
الوجه الرابع: أن النصوص محمولة على الزجر عن الابتداع والتنفير منه.
والحامل لتوجيه النصوص وكلام السلف هنا هو ما يظهر من معارضة ظواهر هذه النصوص لأصول الشريعة الدالة على قبول عمل المسلم إذا توفر فيه شرطا الإخلاص والمتابعة، دون النظر إلى ما عليه صاحب العمل من ابتداع ومعصية في غيره من الأعمال، إذ لا تأثير لها على قبول ذلك العمل " انتهى باختصار.
والوجه الثالث المذكور هنا، لا ينبغي حمله إلا على بدعة دل الشرع أنها تحبط عمل صاحبها وليست كل بدعة يصح فيها هذا التوجيه.
وقد ذكر أهل العلم شراح الحديث أن المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم في شأن المحدث:
(لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا)
قال القاضي وقيل المعنى لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضا وإن قبلت قبول جزاء وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما
"شرح النووي على مسلم" (٩/١٤١)
والحاصل أنه تجوز الصلاة خلف المبتدع إذا لم تكن بدعته مكفرة كفرا صريحا، وأن الله سبحانه وتعالى يحاسب الناس على قدر أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب