أقرباؤه يؤذون والديه وحصلت مقاطعة بينهم فماذا يصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي امرأة تقيَّة جدّاً، لكني ومنذ طفولتي كنت أشاهد نشوء مشاكل عائلية تقع بينها وبين أقاربي، هؤلاء الأقارب دائما يذكرون افتراءات غير مبنية على أسس ويكذبون دونما حياء أو خجل، إنهم لا يشكرون لوالديّ مساهماتهم التي قدماها للعائلة، لكنهم بالمقابل يتحدثون وراء ظهورنا ويهزؤون مِن تمسك والدتي بدينها، ومع ذلك فإن والدتي لا تزال تريد أن تحافظ على صلة القرابة وكانت تصبر عليهم، وفي بعض الأحيان كانت تشتكي لوالدي وتطلب منه أن يتدخل لكنه لم يفعل أي شيء، وكان يقول: إن ذلك ربما يتسبب في قطع العلاقة معهم للأبد، وكان يطلب منها الصبر، وكانت والدتي تصبر على الإساءة، وكانت تقابلهم بعكس ما كنَّ يعاملنها به، لا لشيء إلا لتفوز برضى الله ورحمته، إلا أنه في الآونة الأخيرة تدهور الوضع، وقام زوج إحدى قريباتي بإهانة والدي، وقرر والدي بعد ذلك أن يقطع العلاقة معهم، كما طلبت عمتي أيضا من والدتي ألا تتصل بهم، وأنا أجد نفسي ضائعا وسط هذا الزخم ولا أعرف كيف أتصرف، والداي طلبا مني الامتناع تماما عن الاتصال بأقاربي، لكني ولأني أعلم أن من يقطع العلاقات العائلية فقد قال الله بأنه سيقطعه يوم القيامة فإني أحادثهم من وقت لآخر، مع أنهم لا يفعلون ذلك معي، لكني أعلم أنه إن اكتشف والداي ما أقوم به فإن ذلك سيؤذيهما وسيغضبان عليَّ، لقد قلت لوالدتي أن تسامحهم وأن تبدأ في الاتصال بهم، وهي تقول إنها تريد ذلك، لكنها لا ترغب أن تمر مجدَّداً بنفس المعاناة وتتعرض للإهانات التي تعرضت لها خلال سنوات، ما هو الأسلوب الصحيح للتعامل مع مثل هذا الوضع؟ هل أبذل جهوداً لأحافظ على الرحم مع أناس أهانوا والدي؟ وكيف نضع حدّاً لهذا الوضع المزري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يُعظم أجرك وأجر والدتك، وأن يجمع بينكم وبين أقاربكم على خير، وأن يهديهم ويصلح أحوالهم.
وصلة الرحم لها منزلة عظيمة في شرع الله تعالى، وهي تشمل أموراً مادية وأخرى معنوية، والمعنوية منها أهم بكثير، فالمادية مثل الإحسان إليهم بالمال، والمعنوية مثل أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وهذا أعظم ما تكون به الصلة.
وفي حال أن يكون أولئك الأقارب على انحراف وضلال وفساد ويخشى المسلم على نفسه أن ينساق وراءهم أو يتأثر بهم فليهجرهم هجراً جميلاً، وهو الذي لا أذى فيه ولا قطيعة، وعليه الإكثار من الدعاء لهم، والإكثار من وعظهم وتذكيرهم بالمراسلات والهاتف وغير ذلك من الوسائل التي تبقي تلك الصلة دون قطيعة، ودون تأثير منهم عليه.
ثانياً:
وتجب عليك صلة رحمك ولو منعك والدك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (لَا طَاعَةَ في مَعْصِيَةِ الله، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ) رواه البخاري (٦٨٣٠) ومسلم (١٨٤٠) .
لكن لا يجوز لكَ إيذاء والدك بإظهار المخالفة له، فيمكنك صلة أقاربك دون إعلامه بهذا، وأن تستمر في محاولة رأب الصدع بينه وبين رحمه، ولكن ننبهك إلى أن تحرص على الأقارب الذين لا يكون منهم إظهار للفسق والفجور، خشية أن تتسبب في تأثير هؤلاء على أهل بيتك، لكن احرص على أهل الدِّين والخير منهم، فمثل هؤلاء تكون الخسارة في قطيعتهم، ويكون الأجر العظيم في الصلة بينهم وبين أهلك.
ثالثاً:
ومن الأمور التي تعين على الصلة بين الأقارب والتي نوجهك لها لتخبر بها أهلك وأقاربك:
١. إعلامهم جميعاً بوجوب صلة الرحم وتحريم قطعها.
٢. إعلامهم بحقيقة الصلة، وأنها ليست المكافأة، بل صلة القاطع، ومقابلة الإساءة بالإحسان.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) . رواه مسلم (٢٥٥٨) .
الملّ: الرماد الحار.
قال النووي – رحمه الله -:
" ويجهلون " أي: يسيئون , والجهل هنا القبيح من القول , ومعناه: كأنما تطعمهم الرماد الحار , وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم , ولا شيء على هذا المحسن , بل ينالهم الإثم العظيم في قطعيته , وإدخالهم الأذى عليه.
وقيل: معناه إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل.
وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم.
" شرح مسلم " (١٦ / ١١٥) .
٣. الصفح عنهم في حال أن يصدر منهم خطأ، والعفو في حال أن يعتذروا.
٤. تخفيف الزيارات وتجنب المزاح، فربما كانت كثرة اللقاءات والزيارات، وما يحصل فيها من تجاوز للشرع، أو تجاوز في المباح هو من الأسباب التي تؤدي للقطيعة.
٥. محاولة الابتعاد عن الأقارب في السكن، فربما تسبب تقارب السكن في القطيعة بين الناس، إما بسبب الأولاد وإما بسبب الزوجات أو غيرهما.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمَّاله: " مروا الأقارب أن يتزاوروا ولا يتجاوروا ".
قال الغزالي - معلقا على كلام عمر -:
" وإنما قال ذلك لأن التجاور يورث التزاحم على الحقوق، وربما يورث الوحشة وقطيعة الرحم ".
" إحياء علوم الدين " (٢ / ٢١٦) .
وقال أكثم بن صيفي: " تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة ".
٦. ترك الاستماع لأهل الفتنة الذين يفرقون بين المرء وأهله، والذين يسوؤهم اجتماع الأسرة الواحدة، وهم النمامون أصحاب الكبائر.
٧. استعن بالله تعالى بدعائه في صلاتك وفي آخر الليل أن يهدي الله أقاربك لأحسن الأخلاق والأفعال والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب