للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يُنكر تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان

[السُّؤَالُ]

ـ[قرأت هذا الكلام (العلماء أجمعوا على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال لذلك يجب الاستفادة من المتغيرات) لكني غير مقتنع به فهل هذا الكلام صحيح؟. أرجو الإجابة مع الاستدلال بالأدلة الشرعية والسنة؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

هذه القاعدة يعبر عنها بعض العلماء بقولهم: (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان) ، كما في مجلة الأحكام العدلية المادة ٣٩، وشرح القواعد الفقهية للزرقا ص ٢٢٧ وغير ذلك.

وهذه القاعدة إحدى القواعد المتفرعة عن قاعدة " العادة محكمة ".

وكلمة " الأحكام " الواردة في القاعدة، مخصوصة بالأحكام المبنية على العرف والعادة، فهذه هي التي تتغير بتغير الزمان والمكان والحال.

قال في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: (إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة ; لأنه بتغير الأزمان تتغير احتياجات الناس , وبناء على هذا التغير يتبدل أيضا العرف والعادة وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام حسبما أوضحنا آنفا , بخلاف الأحكام المستندة على الأدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإنها لا تتغير. مثال ذلك: جزاء القاتل العمد القتل. فهذا الحكم الشرعي الذي لم يستند على العرف والعادة لا يتغير بتغير الأزمان , أما الذي يتغير بتغير الأزمان من الأحكام , فإنما هي المبنية على العرف والعادة , كما قلنا ,

وإليك الأمثلة: كان عند الفقهاء المتقدمين أنه إذا اشترى أحد دارا اكتفى برؤية بعض بيوتها [غرفها] , وعند المتأخرين لا بد من رؤية كل بيت منها على حدته , وهذا الاختلاف ليس مستندا إلى دليل , بل هو ناشئ عن اختلاف العرف والعادة - في أمر الإنشاء والبناء , وذلك أن العادة قديما في إنشاء الدور وبنائها أن تكون جميع بيوتها متساوية وعلى طراز واحد , فكانت على هذا رؤية بعض البيوت تغني عن رؤية سائرها , وأما في هذا العصر فإذ جرت العادة بأن الدار الواحدة تكون بيوتها مختلفة في الشكل والحجم لزم عند البيع رؤية كل منها على الانفراد) انتهى من درر الحكام ١/٤٧ لمؤلفه الشيخ علي حيدر، وقريب منه ما في شرح المجلة لسليم رستم ١/٣٦

ومثل الزرقا لهذه القاعدة بقوله:

(لما ندرت العدالة وعزت في هذه الأزمان قالوا بقبول شهادة الأمثل فالأمثل والأقل فجورا فالأقل ...

وجوزوا تحليف الشهود عند إلحاح الخصم، وإذا رأى الحاكم ذلك؛ لفساد الزمان) شرح القواعد الفقهية ص ٢٢٩

ونبه الدكتور محمد الزحيلي على أن الأصل في الشريعة هو ثبات الأحكام، وأن لفظ الأحكام في القاعدة ليس عاما، وقال: (ولذلك تعتبر القاعدة خاصة واستثناء، مع التذكير بما يلي:

١- إن الأحكام الأساسية الثابتة في القرآن والسنة والتي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية: الآمرة والناهية، كحرمة الظلم، وحرمة الزنى والربا، وشرب الخمر والسرقة، وكوجوب التراضي في العقد، ووجوب قمع الجرائم وحماية الحقوق، فهذه لا تتبدل بتبدل الزمان، بل هي أصول جاءت بها الشريعة لإصلاح الزمان والأجيال، وتتغير وسائلها فقط.

٢- إن أركان الإسلام وما علم من الدين بالضرورة لا يتغير ولا يتبدل، ويبقى ثابتا كما ورد، وكما كان في العصر الأول لأنها لا تقبل التبديل والتغيير.

٣- إن جميع الأحكام التعبدية التي لا مجال للرأي فيها، ولا للاجتهاد، لا تقبل التغيير ولا التبديل بتبدل الأزمان والأماكن والبلدان والأشخاص.

٤- إن أمور العقيدة أيضا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تقبل الاجتهاد، وهي ثابتة منذ نزولها ومن عهد الأنبياء والرسل السابقين، حتى تقوم الساعة، ولا تتغير بتغير الأزمان) انتهى من: القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي للدكتور محمد الزحيلي ص ٣١٩

وبهذا يتضح أنه لا إشكال في هذه القاعدة، وأنه لا حجة فيها لمن يريد إباحة الربا أو الاختلاط مثلا أو يريد إلغاء الحدود والعقوبات، لتغير الزمان! فإن هذه الأمور المذكورة ثابتة بالنصوص الواضحة من الكتاب والسنة، فلا مجال لتغييرها أو تبديلها، إلا أن ينخلع الإنسان من دينه رأسا.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>