للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخوها له جرأة كبيرة على المعاصي فماذا تفعل معه؟

[السُّؤَالُ]

ـ[لي أخ أصغر مني يبلغ ٢٠ عاما أعلم أنه يفعل كل المعاصي التي حرمها الله، وأبي وأمي صالحان لكنهما لم يتمكنا من إصلاح حاله، وأنا أخاف عليه وكلما حاولت مكالمته يصدمني بأنه ليس له هدف في الحياة ويتمنى أن يموت ويسأل دائما ولماذا ينصلح حالي ولمن؟ ماذا افعل لأخي الوحيد؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أسأل الله أن يمن على أخيك بالهداية والصلاح وأن يرده إليه رداً جميلاً، وأن يعينك على دعوته وتوجيهه للخير وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتك..

ثم اعلمي أيتها الأخت ـ وفقك الله ـ أن أمامك عددا من الوسائل التي يمكنك القيام بها لدعوة أخيك واستصلاحه ومن ذلك:

أولاً: الدعاء لأخيك بالهداية والصلاح بقلب صادق، ويقين من الله بالإجابة؛ مع الإلحاح والمداومة على ذلك، واعلمي أن الله لا يخيب ظن من رجاه، ولا يرد سائلاً دعاه بصدق وإخلاص.

ثانياً: توجيه النصيحة إليه واسلكي في ذلك أسلوب الحوار والإقناع العقلي ممزوجاً بأسلوب الترغيب بما أعد الله للمحسنين من الكرامة والجزاء الحسن الجميل، والترهيب بما أوعد الله به المذنبين من العقوبة والنكال والعذاب الشديد؛ وذلك بتذكيره بحقيقة هذه الحياة، وأن الله تعالى ما خلق هذا الكون بأرضه وسمائه وبحاره وأنهاره، وجباله وسهوله ووهاده وصحاراه؛ إلا من أجلك أنت أيها الإنسان، وماذا عسى أن تكون أيها المخلوق الضعيف في جنب هذه المخلوقات العظيمة الهائلة؛ التي سخرها الله لك، لتستقر حياتك، وتتيسر سبل عيشك، كما قال سبحانه: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) البقرة/٢٩، وقال جل شأنه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/١٥ وقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان/٢٠، بل وفضلك على سائر هذه المخلوقات الأرضية جميعا ً كما قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء/٧٠ فإذا علمت ذلك أيها المخلوق الضعيف، وأن الله خلق كل هذه العوالم العظيمة وسخرها لراحتك في هذه الحياة، فيتبادر إلى الذهن سؤال منطقي يسأله كل عاقل: فلماذا إذاً خلقني الله تعالى؟ فيأتيك الجواب صريحاً واضحاً من خالقك ومولاك: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذريات/٥٦.

إذاً فالوظيفة التي من أجلها خلقت أيها الإنسان إنما هي: تحقيق العبودية لله الواحد الأحد، وهذا جواب قولك لمن أنصلح؟ فأنت تنصلح لله الذي خلقك فسواك فعدلك، ووهب لك الحياة والقوة والصحة وما بك من نعمة فهي منه وحده ولو شاء لسلبها عنك في طرفة عين، أفلا يستحق منك أن تشكره على هذه النعم التي لا تحصى، وذلك بامتثال أمره واجتناب نهيه الذي هو حقيقة العبادة التي خلقت من أجلها.

وأما قولك لماذا أنصلح؟ فقد بين الله سبحانه الحكمة من خلق الموت والحياة في هذه الدنيا، حتى تعرف أيها الإنسان الحقيقة الكبرى التي من علمها لم يقر له قرار ولم يهدأ له بال حتى ينال مرضاة الله فيسعد في الجنة بلقياه فقال سبحانه: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك/٢، فإذا علمت ذلك وأن خالقك سبحانه يختبرك الآن في هذه الدار لينظر إلى عملك فيجازيك به يوم تلقاه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وأن العبد بعد موته لن يترك سدى بل سيجازى بعمله كما قال تعالى: (أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) القيامة/٣٦، ولذا فأنت تجد أن الله سبحانه يكثر في كتابه من وصف ما أعده لعباده المحسنين في هذه الدار، بأن لهم عنده في الآخرة جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ كما يكثر سبحانه من ذكر ما أعده للمسيء المفرط في حقه، بأن له نارا تلظى، لا يموت فيها ولا يحيى، وأنه جعل فيها من أنواع النكال والعذاب ما يشيبُ الوليد سماعُه فضلا عن رؤيته ومعاينته نسأل الله لنا ولك السلامة منها ...

أفيليق بك بعد كل هذا أن تتجرأ على مخالفة أمره، أو تعيش لغير الهدف الذي خلقت له، وصدق والله القائل:

فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي

ولكنا إذا متنا بعثنا ونُسأل بعده عن كل شيء

ولا شك أن ما تشعر به من ضيق ونكد يدعوك إلى تمني الموت؛ إنما هو بسبب فقدك للشعور بهذا الهدف السامي والغاية النبيلة، فإن أعظم وألذ شيء في هذا الوجود أن تكون عبداً لله على الحقيقة، فإياك أن تعرض عن ربك، وتبتعد عنه؛ فإنك راجع إليه، ولو طالت بك الحياة وامتد بك العمر كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) الانشقاق/٦

فاحذر أن تلقاه وأنت ممن أعرض عنه فيصدق فيك قوله جل شأنه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) طه/١٢٤ـ١٢٧

فالبدار البدار بالعودة الصادقة والتوبة النصوح؛ لتجد رباً كريما يفرح بعبده إذا تاب، ويرضى عنه إذا أناب، بل ويفيض عليه من محبته ورحمته ما لا يخطر له على بال، فماذا تنتظر؟! والله يقول: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الذريات/٥٠. فإذا عرفت هذا فاعلم ـ وفقك الله لرضاه ـ أن الفوز بهذا النعيم العظيم، والنجاة من ذلك العذاب الأليم، والنجاح في هذا الامتحان الخطير، لا يكون إلا على جسر من التعب والمشقة التي تحتاج إلى صبر وتحمل ومعاناة. لكنها مشقة سرعان ما تنقضي، ومعاناة عن قريب تنتهي؛ ليعقبها راحة أبدية ونعيم سرمدي فما عسى أن تساوي مشقة ساعة، ولحظة ألم؛ إذا ما قورنت بنعيم الدهر ولذة الأبد.. نسأل الله تعالى أن يمن علينا جميعاً بفضله وجنته ...

وفي ختام هذه الكلمات أحب أن أتركك مع هذه الآيات العظيمة من كتاب الله تعالى والتي أنزلها على عبده محمد صلى الله عليه وسلم لتكون شفاء لقلوب المؤمنين، ودواء لأمراضها؛ فاقرأها قراءة تدبر وتأمل لعل الله أن يجعلها بلسماً وشفاءً لما تعانيه من ضيق وعناء:

قال ربنا جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) فصلت/٣٠-٣٢

وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأحقاف/١٣ـ١٤

وقال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) الحشر/١٨-٢٠، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تبين هذه الحقيقة العظيمة وتوضحها أعظم توضيح، فعليك بالإقبال على كتاب الله لتجد فيه كل خير، وتبتعد عن كل سوء وشر.

وأسأل الله أن يشرح صدرك للخير وأن يثبتك عليه حتى تلقاه، وأن يصرف عنك السوء والشر إنه سميع قريب.

والله تعالى أعلى وأعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>