تعلقت بشاب أقل منها في النسب وأهلها معارضون زواجها منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أنتمي لمجتمع قبَلي متعصب وتعرفت على شاب حسن الدين والخلق لكن أهلي يرفضون رفضاً باتّاً فقط لأنه ليس من نسب شريف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الظاهر أنكِ وقعتِ في مخالفات شرعية حين تعرفتِ على هذا الشاب، وبخاصة أنك تمدحين خلقه ودينه، ولا ندري ما هو الخلق والدين عند هذا الشاب الذي يرضى أن يتعرف على فتاة أجنبية ويتبادل معها الحديث؟! وقد تكون العلاقة فيها ما هو أكثر من ذلك كلقاءات وغيرها.
وقد حرم الشرع المطهر إقامة مثل هذه العلاقات بين الجنسين، وقد تقدم بعض فتاوى أهل العلم في هذه المسألة في الأسئلة رقم (٢٣٣٤٩) و (٢٠٩٤٩) و (١٠٢٢١) و (٣٤٨٤١) .
وفي التعلق المحرم وآثاره والزواج من المتعلَّق به: يُراجع جواب السؤال رقم (٤٧٤٠٥) .
وللتخلص الفوري من مشكلة التعلق بهذا الشاب: يراجع جواب السؤال رقم (١٠٢٥٤) .
ولا يجوز ولا يصح عقد النكاح على المرأة من غير إذن وليها، ولا يجوز للوالد أن يجبر ابنته على الزواج ممن لا تريد، وينظر في هذا جواب السؤال رقم (٣٦٦١٨) .
ثانياً:
وأما مسألة الكفاءة في النكاح: فقد اعتبر جمهور العلماء الكفاءة في النسب، وخالفهم آخرون فلم يعتبروا الكفاءة إلا في الدين، وهو مروي عن عمر وابن مسعود ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز، وبه جزم الإمام مالك، وهو رواية عن أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله.
وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه " زاد المعاد " فصلاً في حكمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح، وساق الآيات الدالة على ذلك فقال:
" قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/١٣، وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/١٠، وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) التوبة/٧١، وقال تعالى:) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) آل عمران/١٩٥، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب) ، وقال: (إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا) ، وفي الترمذي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبَنِي بَيَاضَةَ: (أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ) وكان حجاما.
وزوَّج النبيُّ صلى الله عليه وسلم زينبَ بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه، وزوَّج فاطمةَ بنت قيس القرشية من أسامة ابنه، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف، وقد قال تعالى: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/٢٦، وقد قال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) النساء/٣.
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا، فلا تزوَّج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك؛ فإنه حرَّم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسباً ولا صناعةً، ولا غِنىً ولا حرية، فجوَّز للعبد نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفاً مسلماً، وجوَّز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاحَ الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات ". انتهى.
" زاد المعاد " (٥ / ١٥٨ – ١٦٠) .
وعقد البخاري رحمه الله في كتاب النكاح باباً سماه " بَاب الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) ".
وساق ما يدل على اعتبار هذه الكفاءة دون غيرها، وبخاصة ما جاء بعده من أبواب وهي " بَاب الْأَكْفَاءِ فِي الْمَالِ وَتَزْوِيجِ الْمُقِلِّ الْمُثْرِيَةَ " و " بَاب الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ ".
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما معنى قولهم قبيلي وخضيري؟
فأجاب:
هذه مسألة جزئية، وهي معروفة بين الناس.
القبيلي هو: الذي له قبيلة معروفة ينتمي إليها كقحطاني وسبيعي وتميمي وقرشي وهاشمي وما أشبه ذلك، هذا يسمى قبيلي؛ لأنه ينتمي إلى قبيلة، ويقال قَبَلي على القاعدة، مثل أن يقال حنفي ورَبَعي وما أشبه ذلك نسبة إلى القبيلة التي ينتمي إليها.
والخضيري في عرف الناس في نجد خاصة - ولا أعرفها إلا في نجد - هو الذي ليس له قبيلة معروفة ينتمي إليها، أي: ليس معروفا بأنه قحطاني أو تميمي أو قرشي لكنه عربي ولسانه عربي ومن العرب وعاش بينهم ولو كانت جماعته معروفة.
والمولى في عرف العرب هو: الذي أصله عبد مملوك ثم أعتق، والعجم هم: الذين لا ينتسبون للعرب يقال: عجمي، فهم من أصول عجمية وليسوا من أصول عربية، هؤلاء يقال لهم أعاجم.
والحكم في دين الله أنه لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بالتقوى سواء سمي قبليا أو خضيريا أو مولى أو أعجميا كلهم على حد سواء، لا فضل لهذا على هذا، ولا هذا على هذا إلا بالتقوى؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى) ، وكما قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات/١٣.
لكن من عادة العرب قديما أنهم يزوجون بناتهم للقبائل التي يعرفونها ويقف بعضهم عن تزوج من ليس من قبيلة يعرفها، وهذا باقٍ في الناس، وقد يتسامح بعضهم، يزوّج الخضيري والمولى والعجمي، كما جرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام زوَّج أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه وهو مولاه وعتيقه زوَّجه فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وهي قرشية، وكذلك أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهو من قريش زوَّج مولاه سالماً بنت أخيه الوليد بن عتبة، ولم يبال لكونه مولىً عتيقاً.
وهذا جاء في الصحابة رضي الله عنهم وبعدهم كثير، ولكن الناس بعد ذلك خصوصا في نجد وفي بعض الأماكن الأخرى قد يقفون عن هذا ويتشددون فيه على حسب ما ورثوه عن آباء وأسلاف، وربما خاف بعضهم من إيذاء بعض قبيلته إذا قالوا له: لم زوجت فلاناً؟ هذا قد يفضي إلى الإخلال بقبيلتنا وتختلط الأنساب وتضيع إلى غير ذلك، قد يعتذرون ببعض الأعذار التي لها وجهها في بعض الأحيان ولا يضر هذا، وأمره سهل.
المهم اختيار من يصلح للمصاهرة لدينه وخلقه، فإذا حصل هذا فهو الذي ينبغي سواء كان عربيا أو عجميا أو مولى أو خضيريا أو غير ذلك، هذا هو الأساس، وإذا رغب بعض الناس أن لا يزوج إلا من قبيلته فلا نعلم حرجا في ذلك، والله ولي التوفيق ". انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (٥/١٤٦، ١٤٧) .
والخلاصة:
أنه يحق لأهلك أن يمتنعوا عن قبول هذا الشاب زوجاً لكِ لاعتبار عدم كفاءة خلقه ودينه، وننصحك بتقوى الله تعالى والابتعاد عن هذا الشاب والطرق التي أوصلتكِ للتعرف عليه، وعسى الله أن يرزقكِ زوجاً صالحاً، يكون عونا لك على طاعة الله، وتربون جيلاً صالحاً يسعى في طاعة الله يعيش ويموت عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب