يلاحظ تغيراً في حال خطيبته ويطلب النصح
[السُّؤَالُ]
ـ[أتابع موقعكم منذ فترة، أنا خاطب بنتاً في أمريكا منذ ٣ سنوات، وهي ١٨ سنة الآن، وقد تواصلنا عن بعد لفترة وتفاهمنا في كثير من الأمور، ولكن الآن بدأت تظهر بعض المشاكل بسبب تصرفاتها الشخصية، فمثلا هي ارتدت الحجاب (مع أني أعلم أن هذا أمر ديني جيد) لكن كنت أحب أن تقول لي مسبقا لأشاركها هذا الأمر، وهى متقلبة المزاج، ولم أشعر أني قريب منها، ولم أجرحها. البارحة قالت لي إن أحد أصدقائها القدامى بدء يلاحظها، وأن قلبها يخفق إذا نظر إليها! وتقول إن هذا ليس بالأمر الجديد، وأنها اختارتني أنا لأكون زوجا لها من عمق قلبها (نحن على وشك الزواج) وأنها تدعو الله ليريها الطريق، أنا أصدقها، ولكني محتار لماذا يحدث هذا الآن، مع أنها كانت أعقل من هذا عندما كانت في فترة طفولتها (١٥ سنة وأنا كنت ٢٤ عند الخطوبة) الشيطان لم يؤثر عليها بهذا الشكل من قبل؟ لماذا الآن؟ كان من الممكن أن أرسل هذه الرسالة لجهات استشارية أخرى لكني أريد استشارة الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بد أن ندرك –أولاً- حقيقة مهمة لعلها من أهم أسرار نجاح المسلم في حياته وعلاقاته المتنوعة؛ لأنها حقيقة تتعلق بالنفس البشرية التي يجب أن نحسن فهمها والتعامل معها، وسيساعد ذلك – إن شاء الله – على تجاوز كثير من المشاكل.
يجب أن نعلم جميعا أن النفس البشرية خلقها الله تعالى وشأنُها التقلب والتغير، فهي في أصل تكوينها تقلبت في مراحل الخلق من التراب إلى الطين ثم الصلصال، وكذا في رحم الأم من النطفة إلى العلقة ثم المضغة وهكذا، كما أن الله سبحانه وتعالى أودع فيها من أسرار الخلق والروح ما هيأها لتتنازعها نوازع الخير والشر، ونوازع السعادة والشقاء.
عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ) رواه مسلم (٢٦١١) .
يقول المناوي - في شرح هذا الحديث -:
"أي: لا يملك دفع الوسوسة عنه، أو لا يتقوى بعضه ببعض، ولا يكون له قوة وثبات، بل يكون متزلزل الأمر، متغير الحال، مضطرب القال، معرضا للآفات، والتمالُك: التماسُك" انتهى.
"فيض القدير" (٥ / ٣٧٩) .
والعاقل هو الذي يسعى جهده في التزام الخير والسعادة والنجاح، والامتناع – قدر المستطاع – عن الميل مع تقلبات النفس المختلفة.
وفي هذا السياق أيضا ينبغي أن تفهم طبيعة العلاقات بين البشر.
فإن كل صديق أو زوج أو قريب يحرص غاية الحرص على إنجاح علاقته مع قرينه، ويسعى دائماً في تحسينها والبلوغ بها الغاية المرجوة، إلا أن كثيراً من الناس لا يتنبه للطبيعة المتقلبة للنفس البشرية، وأنها لا تملك أن تدفع عن نفسها التغير الذي يصيبها بالفتور أحياناً، والتقصير أحياناً أخرى، فتجد الزوج أو الصديق أو القريب يغفل عن السؤال - أحياناً - عن حال زوجه وصديقه، أو يفتر عن إبداء مستوى الاهتمام المطلوب تجاه قرينه، فينعكس ذلك على الطرف الآخر بالسلب والشك والاتهام، والحقيقة أن ذلك إنما هو في السياق الطبيعي المتوقع من كل نفس وكل قلب.
وإذا كانت النفس تتقلب في علاقتها بالله تعالى ما بين إقبال وشيء من الإدبار، فكيف نريد أن يكون شأنها في علاقتها بالبشر؟!
نعم، النفوس العظيمة، والقلوب الكبيرة هي التي تحافظ على سويتها في علاقتها بالناس جميعاً، فلا تكاد تقع لها هفوة ولا زلة ولا تقصير، وتجدها تلبي جميع الحاجات العاطفية التي يطالبها به من حوله من الأهل والأصدقاء والأقرباء، ولكن ليس من الواقعية أن ننتظر من جميع الناس هذا المستوى الراقي في التعامل، كما أنه لا يتخلق أحد بذلك إلا بعد مجاهدة عظيمة للنفس يسعى من خلالها في تعليمها وتقويمها لتصل إلى ذلك المستوى.
فلا بد أن يتنبه كل زوج وكل صديق وقريب، فلا يظنن إن هو رأى إدباراً من زوجه أو صديقه أن يأخذ ذلك على أنه تحول في العلاقة، أو تغير يقتضي منه اتخاذ موقف معين، ولا بد أن يحاول حفظ مشاعره من التأثر بسبب ذلك، ولا يأخذه إلا في إطار العفو الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به.
بل لا يجوز للعاقل أن يطالب الناس – زوجة أو صديقا أو قريبا – كي يكونوا له كما يحب ويشتهي في جميع الأحوال والظروف، فإنه نفسه لا يملك أن يكون لهم كذلك، فكيف يطالبهم بما يدرك صعوبته، ومن لم يدرك هذه الحقيقة فشل في علاقاته، وأخفق في حياته الاجتماعية، وناقض الفطرة البشرية التي خلق الله الناس عليها.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى) .
وكما قيل في الحكمة: ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذراً، فإن لم يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك، فتقول لقلبك: ما أقساك! يعتذر إليك أخوك سبعين عذراً فلا تقبله، فأنت المعيب لا أخوك.
والحقيقة أن ما ذكرته – أخي السائل - في شأن مخطوبتك إنما هو رصيد ي صالحها، فلبسها الحجاب – ولو بغير مشورتك – يدل على أنها تقدِّم طاعة الله تعالى على طاعة كل إنسان، وهذا أول ما يجب أن تحمدها عليه، إذ قد اختارت الالتزام بأمر الله والمبادرة إلى ذلك قبل مشورة أي إنسان، ولم يخطر في بالها فور استقرار قلبها على هذه الطاعة إلا أن تبادر إلى الامتثال، فلا يجوز لك أن تجد في نفسك عليها، بل يجب أن تشجعها وتشكرها على هذه المبادئ العظيمة التي تحملها.
كما أن مصارحتها لك بما تجده في نفسها عند رؤية صديق قديم لها دليل آخر على أمانتها وصدقها وخوفها من الله تعالى، حيث اختارت أن تصارحك بما تخفيه الفتيات عادة كي تبرئ ذمتها أمام الله، وكي تأخذ بيدها للتخلص من تلك المشاعر القديمة التي لا تملك الآن دفعها، ولكنها – ولا شك – تملك السير في علاجها وتجاوزها.
فهل ترى من الصواب – أخي السائل – أن تأخذ هذه الأخلاق الحميدة مأخذ الشك والتردد؟
ألا ترى معي أن خصلة الصدق التي تتحلى بها هي من أهم العوامل لنجاح الحياة الزوجية؟
ثم لا بد أن تراعي هذا الطول الذي استغرقته فترة الخطوبة – ثلاث سنوات حتى الآن – فكيف لا تريد أن يتخللها المد والجزر في مدى التفاهم والتوافق، زيادة على أنها ما زالت في عمر صغير، والفتاة في مثل سنها تتعرض لكثير من التغيرات بسبب عوامل نفسية وأخرى جسمية وأيضا اجتماعية، وهذه كلها أسباب تفسر لك ما تجده اليوم منها.
فالنصيحة لك أن تتخذ الحكمة في تعاملك، ولا ترخ الحبل لنفسك فيسيطر الشك والتردد عليها، فالأمر أهون من ذلك، ولتسعَ أنت إلى التأثير عليها بخلقك ولطفك وعلو تفكيرك عن الخوض في مضائق ليس لها نهاية، ولا تفرِّط في خطيبتك إذ تبدو عليها أمارات الأمانة والديانة إن شاء الله تعالى، واسْعَ في تعجيل الزواج، ففي ذلك حلٌّ – إن شاء الله – لكل هذه الخواطر التي ذكرت.
وأود التنبيه أخيراً إلى أننا في موقعنا نشير وننصح بما نراه أقرب إلى الحق والعدل إن شاء الله تعالى، وهو ما يؤدي إليه اجتهادنا في فهم أحكام الإسلام وتعاليمه، وفهم السؤال الذي يُعرض علينا، فإن أصبنا فذلك بتوفيق من الله تعالى، وإن أخطأنا فنسأله سبحانه العفو والمغفرة، والإسلام بريء من هذا الخطأ.
فنسأل الله تعالى لك التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب