إذا تغيرت قيمة العملة كيف يؤدي القرض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقرضت صديقاً لي قرضاً حسناً وسلمته مبلغ القرض بالريال السعودي، والآن وقت سداد القرض انخفض الجنيه المصري أمام الريال السعودي، وصديقي هذا يريد رد قرضي بالجنيه المصري على أساس سعر صرف الجنيه مقابل الريال وقت استلامه القرض مما يعنى أن يعود لي أصل مالي ناقصاً عما استلمه، وأنا رفضت ذلك، وقلت له: يا أخي سلمتك المال بالريال السعودي بيدك ردَّ عليَّ قرضي بالريال السعودي مثلما استلمته والقروض تكون بالمثل، ويكفى أنني حرمت نفسي من استثمار مالي مما كان سوف يعود على بفائدة من أي نشاط حلال، وأعطيتك قرضاً حسناً لوجه الله تعالى أصلحتَ به تجارتَك وتاجرتَ وربحتَ بارك الله لك، فرفض ذلك، فما الحكم في الإسلام، هل يجب عليه رد قرضي بالريال السعودي أم لا؟ وإذا كانت الإجابة بأنه يجب عليه رد قرضي بالريال السعودي ورفض قبول الفتوى، فما حكمه عند الله؟ وهل يكون المقدار الذي نقص من مالي لي في ذمته أطالبه به أمام الله يوم القيامة أم لا؟ أفتونا في ذلك مأجورين حيث إن سداد القرض متوقف على فتواكم وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من أخذ ديْناً من آخر بعملة أن يردَّها بمثلها دون أن يردَّ قيمتها عند أخذ الدَّيْن؛ بل ولا يجوز أن يُذكر في العقد أن السداد يكون بعملة أخرى غير العملة المستَلمة، فلا يجوز - مثلاً - أن يقترض رجل من آخر ريالات سعودية ويحسب قيمتها عند أخذها ويردها جنيهات مصرية، ويجوز دفع قيمة الفرق بين العملتين عن طيب نفس من غير إلزام وعلى هذا جاءت فتاوى المجامع الفقهية وكثير من علمائنا المحققين.
أ. ففي القرار رقم: ٤٢ (٤ / ٥) بشأن تغير قيمة العملة، قال " مجلس مجمع الفقه الإسلامي " المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من ١-٦ جمادى الأولى ١٤٠٩هـ الموافق١٠-١٥ كانون الأول (ديسمبر) ١٩٨٨ م:
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تغير قيمة العملة، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، وبعد الاطلاع على قرار " المجمع "
رقم ٢١ (٩ / ٣) في الدورة الثالثة، بأن العملات الورقية نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامها:
قرر ما يلي:
العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما: هي بالمثل وليس بالقيمة؛ لأن الديون تُقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها، بمستوى الأسعار.
مجلة " المجمع " (عدد ٥، ج٣ ص ١٦٠٩) .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أقرضني أخي في الله - حسن - ألفي دينار تونسي، وكتبنا عقدا بذلك ذكرنا فيه قيمة المبلغ بالنقد الألماني، وبعد مرور مدة القرض - وهي سنة ارتفع ثمن النقد الألماني، فأصبح إذا سلمته ما هو في العقد أكون أعطيته ثلاثمائة دينار تونسي زيادة على ما اقترضته. فهل يجوز لمقرضي أن يأخذ الزيادة، أم أنها تعتبر ربا. .؟ ولا سيما وأنه يرغب السداد بالنقد الألماني ليتمكن من شراء سيارة من ألمانيا.
فأجاب: ليس للمقرض - حسن - سوى المبلغ الذي أقرضك وهو ألفا دينار تونسي، إلا أن تسمح بالزيادة فلا بأس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن خيار الناس أحسنهم قضاءً) رواه مسلم في صحيحه، وأخرجه البخاري بلفظ: (إن من خيار الناس أحسنهم قضاء) .
أما العقد المذكور: فلا عمل عليه، ولا يلزم به شيء لكونه عقداً غير شرعي، وقد دلت النصوص الشرعية على أنه لا يجوز بيع القرض إلا بسعر المثل وقت التقاضي إلا أن يسمح من عليه القرض بالزيادة من باب الإحسان والمكافأة للحديث الصحيح المذكور آنفاً " انتهى.
" فتاوى إسلاميَّة " (٢ / ٤١٤) .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في جواب سؤال مشابه لسؤال السائل -:
" الواجب أن يرد عليك ما أقرضتَه دولارات؛ لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له، ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية: فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نبيع الإبل بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع الدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء) ، فهذا بيع نقد من غير جنسه، فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة، فإذا اتفقتَ أنت وإياه على أن يُعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل، فإن هذا لا بأس به، فمثلاً: إذا كانت ٢٠٠٠ دولار تساوي الآن ٢٨٠٠ جنيه: لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه، ولكن يجوز أن تأخذ ٢٨٠٠ جنيه، ويجوز أن تأخذ منه ٢٠٠٠ دولار فقط، يعني أنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل، أي: لا تأخذ أكثر؛ لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحتَ فيما لم يدخل فيما ضمانك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذتَ بأقل: فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به " انتهى.
" فتاوى إسلاميَّة " (٢ / ٤١٤، ٤١٥) .
وإذا خالف أحد الطرفين هذا الحكم فإنه يكون آخذاً للفرق بين قيمة العملتين بغير حق، وهو من المحرمات حيث قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء / ٢٩.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب